دراسات وأبحاث

ما اتجاهات الإرهاب في إفريقيا 2026؟

الإثنين 15 ديسمبر 2025 - 12:14 ص
غاده عماد
الأمصار

بحلول عام 2026، تواجه القارة الإفريقية تحولات دراماتيكية في خريطة الإرهاب، حيث تنامي العنف وتوسع نفوذ التنظيمات الإرهابية في العديد من المناطق، وفقاً للتحليلات الراهنة، تُظهر التطورات في الساحل وغرب إفريقيا، وكذلك في شرق ووسط إفريقيا، تغييرًا كبيرًا في أساليب وأهداف الجماعات المتطرفة. 

 

هذا التقرير يحاول تحليل أبرز اتجاهات الإرهاب في إفريقيا مع بداية عام 2026، وأثر هذه الاتجاهات على الأمن الإقليمي والدولي.

تطورات الإرهاب في الساحل الإفريقي

منطقة الساحل الإفريقي شهدت تحولات لافتة في خريطة الإرهاب بعد انسحاب البعثات الدولية، على رأسها بعثة الأمم المتحدة في مالي. هذا الفراغ الأمني خلق فرصة لتنظيمات مرتبطة بـ"داعش" و"القاعدة" لتعزيز نفوذها، حيث سيطرت "داعش- ولاية الساحل" على مناطق استراتيجية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. في الوقت نفسه، حافظت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على وجود قوي في المناطق الريفية التي تمثل نقاطًا تجارية هامة.

التهديدات الاقتصادية في منطقة الساحل

أحد الاتجاهات البارزة في 2026 هو استهداف التنظيمات الإرهابية للبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك طرق التجارة والمرافق الاقتصادية. أبرز مثال على ذلك هو الهجوم الذي وقع في 7 ديسمبر 2025 في مالي على قافلة من صهاريج الوقود، مما أسفر عن إحراق 15 شاحنة. يمثل هذا الهجوم محاولة خنق الاقتصاد المحلي من خلال تعطيل تدفق الوقود، وكذلك إظهار عجز الحكومة في حماية الطرق التجارية.

تزايد الهجمات في مناطق جديدة

تشير الإحصائيات إلى أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" نفذت أكثر من 70 عملية في الساحل وغرب إفريقيا خلال شهر نوفمبر 2025، متوسعًة إلى مناطق جديدة مثل شمال نيجيريا. يعكس هذا الاتجاه تصاعدًا في الهجمات التي تهدف إلى تعطيل شرايين الاقتصاد الحيوية، مما يجعل عام 2026 مرشحًا لمزيد من العمليات التخريبية في هذا السياق.

الإرهاب الحضري في جنوب إفريقيا

على عكس الأنماط التقليدية للهجمات الإرهابية في إفريقيا، شهدت جنوب إفريقيا تطورًا ملحوظًا في أسلوب العنف، حيث اقترن الهجوم الذي استهدف فندقًا في بريتوريا في ديسمبر 2025، والذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا، بسمات الإرهاب الحضري. ورغم عدم تصنيفه رسميًا كإرهاب، فإن الهجوم يعكس اتجاهًا نحو استهداف المدنيين في أماكن مزدحمة، وهو ما يطرح تساؤلات حول انزلاق الجريمة المنظمة في دول هشّة أمنيًا، مثل جنوب إفريقيا، إلى مستوى الإرهابيين.

التهديدات الأمنية في المدن الكبرى

من المحتمل أن يشهد عام 2026 استمرار هذا الاتجاه في العنف، حيث تتحرك الجماعات الإرهابية إلى المراكز الحضرية الكبرى. هذا التحول يشير إلى الاستفادة من ضعف الأمن الداخلي، وانتشار الأسلحة في المناطق الحضرية، وهو ما يعزز من قدرة الجماعات المتطرفة على تنفيذ هجمات عشوائية وسط المدن.

التمرد الميليشياوي في إفريقيا الوسطى

اتجاه ثالث يشير إلى تصاعد التمردات التي يقودها ميليشيات تم تدريبها وتمويلها من قبل جهات خارجية. في جمهورية إفريقيا الوسطى، ظهرت ميليشيا "أي أي كي جي" كمثال على هذا الاتجاه، حيث كانت في البداية ميليشيا دفاعية قبل أن تتحول إلى قوة متمردة مستقلة نفذت هجمات واسعة أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص. هذه الحالة تُظهر تحول الميليشيات المحلية إلى تهديدات غير قابلة للسيطرة، مما يضع الدول الإفريقية في موقف أكثر هشاشة.

تآكل سيادة الدولة وتفاقم العنف

المثال على ذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى يكشف عن أزمة تآكل سيادة الدولة نتيجة الاعتماد على فاعلين خارجيين مثل مجموعة فاجنر الروسية، مما يزيد من فرص انفلات الأمن وارتفاع وتيرة العنف المجتمعي.

التمدد الجغرافي لتنظيم القاعدة في الساحل وغرب إفريقيا

شهدت السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا لتنظيم القاعدة في الساحل وغرب إفريقيا. تقديرات تشير إلى أن عدد مقاتلي التنظيم تجاوز 18 ألف عنصر، مع تنفيذ أكثر من 70 عملية في نوفمبر 2025 وحده. هذا التوسع يشمل مناطق جديدة مثل ساحل العاج والسنغال، ويُظهر قدرة التنظيم على توسيع نفوذه بشكل تدريجي، مما يهدد مزيد من الدول في غرب إفريقيا.

استراتيجية التنظيمات الإرهابية

التوسع الذي يشهده تنظيم القاعدة يشير إلى انزياح استراتيجي عن الهجمات الانغماسية، حيث بدأ التنظيم بالتركيز على تعزيز السيطرة على خطوط الإمداد، مما يعكس شعورًا بصلابة السيطرة على مناطق نفوذه.

سيناريوهات مستقبلية لإرهاب إفريقيا في 2026

مع استكمال الخارطة الإرهابية للقارة الإفريقية في 2026، يمكن تصور بعض السيناريوهات التي ستؤثر على الأمن الإقليمي والدولي:

استمرار تمدد داعش-ولاية الساحل

من المتوقع أن يستمر تنظيم "داعش-ولاية الساحل" في تعزيز وجوده بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مستفيدًا من الفراغ الأمني وضعف التنسيق بين الجيوش الوطنية. قد يشهد عام 2026 زيادة في الهجمات على المراكز الإدارية وطرق النقل التجارية، وهو ما سيرفع من حدة التوترات في المنطقة.

استهداف مصالح إقليمية من قبل حركة شباب المجاهدين

من المتوقع أن تحافظ "حركة شباب المجاهدين" على قدرتها في تنفيذ هجمات نوعية داخل الصومال، بينما تسعى إلى توسيع نطاق عملياتها في دول مجاورة مثل كينيا وإثيوبيا، ردًا على الضغوط العسكرية ضدها. كما ستواصل "داعش-وسط إفريقيا" توسيع نطاق هجماتها في شمال موزمبيق وجمهورية الكونغو، مستهدفة مصادر الطاقة والموارد الطبيعية.

تعزيز التعاون الأمني الثنائي

مع استمرار تراجع الدور الفرنسي في الساحل الإفريقي، يُتوقع أن تزداد التحالفات الأمنية الثنائية بين دول إفريقيا والقوى الكبرى مثل روسيا والصين. هذا التعاون سيشمل التدريب العسكري ونشر قوات استشارية لتعويض الفراغ الذي خلفه انسحاب البعثات الدولية.

الختام

تشير الاتجاهات الراهنة إلى أن عام 2026 سيكون عامًا مفصليًا في تطور ظاهرة الإرهاب في إفريقيا. من المتوقع أن تستمر الجماعات المسلحة في إعادة ضبط استراتيجياتها مع تحول العنف إلى ساحات غير تقليدية، مثل المدن الكبرى والحدود الاقتصادية. في ظل غياب التنسيق الإقليمي الفعّال وضعف المؤسسات الأمنية، سيكون التحدي أمام الحكومات الإفريقية أكبر من أي وقت مضى في مواجهة هذه الظاهرة المتنامية.