دراسات وأبحاث

معضلة مركبة.. ما هي تعقيدات المشهد السياسي والأمني في غزة خلال 2026؟

الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 12:48 م
غاده عماد
الأمصار

يمثل مستقبل قطاع غزة أحد أكثر الملفات حساسية وتأثيراً على مشروع الدولة الفلسطينية ومسار إعادة تشكيل الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة. 

وتعمل الإدارة الأمريكية في ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية على توظيف خطة السلام الجديدة في غزة ضمن رؤية أوسع لإعادة هندسة المنطقة وتعزيز النفوذ الأمريكي فيها عبر آلية “السلام الإبراهيمي” التي توسّع دائرة الشراكات الإقليمية والدولية. وقد جاء تبني مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الأمريكي المعدل، الداعم لإنشاء مجلس السلام كهيئة انتقالية لمدة عامين، بمثابة نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التنفيذ العملي لخطة التسوية وتهيئة الأرضية لترتيبات أمنية وسياسية معقدة في القطاع.

 المشهد الأمني وتوازنات ما بعد الحرب

ترتكز الخطة الأمريكية على تعاون محوري بين الوسطاء الإقليميين، وفي مقدمتهم مصر وقطر وتركيا، إضافة إلى دعم خليجي واسع لمرحلة إعادة الإعمار والعمليات الإنسانية. ويأتي ذلك في ظل طموح أمريكي واضح لعودة تدريجية للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة بعد إعادة هيكلتها، مع تقليص نفوذ الفصائل المسلحة وضبط عناصر القوة التي بُنيت على مدى سنوات داخل القطاع.

وتبدي الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، استعداداً لمناقشة ملف السلاح في إطار تفاهمات تتضمن إنهاء الاحتلال وضمانات عربية ودولية لإقامة الدولة الفلسطينية. وتطرح الحركة فكرة تجميد السلاح مرحلياً، وهي صيغة تفتح الباب لمفاوضات متعددة المستويات بين الأطراف الفلسطينية والوسطاء الدوليين. إلا أن التعقيد الحقيقي يكمن في قدرة أي قوة دولية على مراقبة البنية العسكرية للقطاع، سواء الأنفاق أو عمليات التصنيع المحلي للذخائر، بما يتطلب ترتيبات دقيقة تمنع الاحتكاك المباشر وتحافظ في الوقت نفسه على الالتزام بتنفيذ الخطة.

كما يشكل وجود مجموعات محلية مسلحة، بعضها نشأ بدعم مباشر من الاحتلال، تحدياً إضافياً، إذ يستلزم التعامل معها مساراً تدريجياً لنزع السلاح تحت إشراف الشرطة الفلسطينية وبدعم قوة الاستقرار الدولية. ويهدف هذا المسار إلى منع اندلاع صراعات محلية داخلية قد تهدد أي استقرار مؤقت في غزة خلال المرحلة الانتقالية.

 المناورة الإسرائيلية وتعقيدات إدارة القطاع

على الجانب الآخر، تبقى التحركات الإسرائيلية عاملاً أساسياً في تعقيد المشهد. فقد استفادت إسرائيل من حالة الفوضى في القطاع لتعزيز نفوذ الميليشيات المحلية بما يخدم مصالحها الأمنية، كما استخدمت ورقة المعابر للضغط على الوسطاء والمجتمع الدولي. وترتبط هذه المناورات بشكل وثيق بالطموحات السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تحديات قانونية وسياسية داخلية قد تدفعه للمراهنة على استمرار التصعيد أو تعطيل بعض بنود الخطة الأمريكية لتعزيز موقعه الانتخابي.

وتبرز جهود إسرائيل في عرقلة دخول مواد إعادة الإعمار والمنازل المؤقتة، إلى جانب التحكم في تدفق المساعدات الإنسانية، كجزء من سعيها لتشكيل واقع جديد على حدود غزة، يضمن لها استمرار السيطرة وتأخير أي تحول سياسي يتناقض مع مصالحها. ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية المحتملة في 2026، قد تتزايد قدرة نتنياهو على المناورة، ما يجعل تنفيذ الخطة الأمريكية رهناً بدرجة الضغط الدولي وقدرة الوسطاء على إلزام إسرائيل بالمسار المتفق عليه.

الحوكمة الانتقالية: مجلس السلام وتوزيع المهام

تطرح الإدارة الأمريكية هيكلاً ثلاثي المستويات لإدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية الممتدة حتى نهاية 2027. يتصدر هذا الهيكل مجلس السلام الذي يضم الرئيس الأمريكي وقادة من المنطقة والعالم، ويُناط به الإشراف على تمويل وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار. يليه مجلس تنفيذي دولي يقوم مقام الحكومة الانتقالية التي تتولى تصميم السياسات العامة. أما المستوى الثالث فيتضمن لجنة فلسطينية من التكنوقراط مكلفة بإدارة الشؤون اليومية للسكان.

ورغم قبول الأطراف الدولية والإقليمية بالقرار 2803، إلا أن غياب التفاصيل النهائية للهيكل الإداري يفتح المجال أمام جولات تفاوضية جديدة بين الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل. كما أن التأخر في إعلان تشكيل مجلس السلام يعكس تباينات في الرؤى، واحتجاجات على مشاركة بعض الشخصيات الدولية، مثل استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بعد اعتراض دول عربية وإسلامية اعتبرت وجوده مؤشراً على انحياز محتمل لصالح المواقف الإسرائيلية.

قوة الاستقرار الدولية: صلاحيات وحدود النفوذ

يمنح قرار مجلس الأمن قوة دولية متعددة الجنسيات صلاحيات واسعة تبدأ من مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار وتثبيت الهدوء على الحدود، وتمتد إلى حماية السكان ودعم عمليات نزع السلاح وتأمين مرور المساعدات. ومن المفترض أن تعمل القوة تحت قيادة موحّدة وبالتنسيق الوثيق مع كل من مصر وإسرائيل، مع انتشارها التدريجي في مناطق القطاع تزامناً مع انسحاب القوات الإسرائيلية.

وتضم القوة الدول التي شاركت في رعاية اتفاق شرم الشيخ، إلى جانب ثماني دول عربية وإسلامية. ويرتبط تجديد ولايتها، التي تنتهي في نهاية 2027، بموافقة مصر وإسرائيل، وهو ما يخلق توازناً حساساً بين مصالح الأطراف المنخرطة في العملية.

تحديات السنوات المقبلة

تشير المؤشرات على الأرض إلى أن غزة تتجه نحو مرحلة انتقالية معقدة قد تتداخل فيها الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية. فانتشار السلاح، وتعدد الجماعات المسلحة، والتدخل الإسرائيلي في البنية الأمنية الداخلية، والتحديات المرتبطة بإعادة الإعمار وعودة السلطة الفلسطينية، جميعها عوامل تزيد من صعوبة تثبيت الاستقرار.

كما أن قدرة الولايات المتحدة على إدارة المشهد مرتبطة بمدى قدرتها على كبح المناورة الإسرائيلية من جهة، وضمان التزام الفصائل الفلسطينية بالمسار السياسي من جهة أخرى. وفي الوقت ذاته، تحتاج واشنطن إلى حالة توافق عربي وإقليمي من أجل ضمان نجاح الخطة وتجنب أي انهيار يعيد القطاع إلى دوامة الصراع.

تواجه غزة اليوم مفترق طرق تاريخياً سيحدد شكل القضية الفلسطينية ومستقبل المنطقة بأكملها. وبينما تسعى الإدارة الأمريكية لتثبيت خطة سلام تعتمد على ترتيبات أمنية وسياسية معقدة، تتحرك الأطراف الإقليمية والدولية لضمان مصالحها ورؤيتها لمستقبل القطاع. ومع استمرار التعقيدات على الأرض، سيبقى تنفيذ الخطة مرهوناً بمدى قدرة الأطراف على تهدئة التوترات وإيجاد مساحة تفاهمات مشتركة تضمن استقراراً مستداماً يمهّد لمرحلة سياسية قد تكون الأكثر حساسية في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.