دراسات وأبحاث

عام 2025.. تضييق دولي غير مسبوق على تنظيم الإخوان

الأربعاء 10 ديسمبر 2025 - 07:13 م
هايدي سيد
الأمصار

شهد عام 2025 تحولات كبرى في المشهد الدولي المتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، إذ بدت الجماعة التي تأسست قبل نحو قرن  وكأنها تدخل مرحلة الأفول التاريخي بعد أن تكالبت عليها الضغوط من الشرق والغرب، وتكثفت الملاحقات الأمنية والسياسية بحق شبكاتها، سواء في البلدان العربية أو في القارة الأوروبية والولايات المتحدة.

 وقد شكّل العام نقطة انعطاف واضحة، إذ اتسعت رقعة القرارات الرسمية والإجراءات القضائية التي استهدفت فروع الجماعة وواجهاتها المالية والدعوية، بينما غرقت قياداتها في صراعات داخلية وانشقاقات عمّقت عزلتها.

كانت البداية من العالم العربي، وتحديدًا من المملكة الأردنية الهاشمية، التي وجّهت في أبريل/نيسان 2025 ضربة وصفت بالأقوى ضد الجماعة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا محظورًا”، وإحالة ممتلكاتها إلى القضاء. القرار جاء بعد سلسلة من التوترات الأمنية، تزامن أبرزها مع توقيف 16 شخصًا بتهمة تصنيع مسيّرات وصواريخ بهدف “إثارة الفوضى” داخل البلاد، وفق الرواية الرسمية.

وشدد الوزير الأردني وهو أعلى مسؤول أمني في الدولة  على أن أي نشاط للجماعة “يخالف القانون”، مؤكدًا منع استخدام أي مقار أو مكاتب، حتى تلك التي تتشاركها الجماعة مع جهات سياسية أخرى، في إشارة إلى حزب جبهة العمل الإسلامي المرخص. كما نبّه الوزير القوى السياسية ووسائل الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل إلى الامتناع عن الترويج للجماعة أو التعامل معها تحت طائلة المساءلة القانونية، في خطوة اعتبرها مراقبون بداية مرحلة جديدة في مواجهة التنظيم داخل الأردن.

وفي الوقت الذي حاولت فيه الجماعة استثمار القرار الأردني لإعادة تسويق سردية “المظلومية” والحديث عن احتمالات مصالحة مع الحكومة المصرية، سارعت مصادر أمنية في جمهورية مصر العربية إلى نفي هذه الادعاءات. فقد أكدت مصادر مصرية لوسائل إعلام محلية أنّ “تنظيم الإخوان انتهى في مصر ولا مجال لعودته”، مشيرة إلى أن ما يُثار عن مصالحة “لا أساس له من الصحة”، وأن الأجهزة الأمنية المصرية تتعامل بحزم مع أي محاولات للجماعة لإعادة التغلغل في المجتمع أو بث الشائعات.

هذا الانسداد السياسي لتنظيم الإخوان في الدول العربية ترافق مع تصعيد غير مسبوق على مستوى أوروبا، التي شهدت خلال العام 2025 تحركًا واسعًا ضد الجماعة. ففي الجمهورية الفرنسية، وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مايو/أيار الماضي تعليمات لحكومته لإعداد مقترحات لمجابهة “الإسلام السياسي” وتأثير جماعة الإخوان على المجتمع الفرنسي. جاء ذلك بعد تقارير أمنية فرنسية أكدت أن نحو 7% من أماكن العبادة الإسلامية في البلاد ترتبط بشكل أو بآخر بالجماعة، وأنها تمثل تهديدًا لـ"التماسك الوطني".

واتخذت السلطات الفرنسية خطوات عملية، أبرزها حل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH) في يونيو/حزيران، وهو أحد أقدم مراكز تدريب الأئمة في فرنسا، بسبب “ارتباطه بالجماعة”.

 القرار عُدّ ضربة قاسية لواحدة من أهم المؤسسات التعليمية التي لطالما اعتمدت عليها الجماعة لنشر خطابها وسط الجاليات المسلمة.

أما في جمهورية ألمانيا الاتحادية، فقد شهد شهر نوفمبر/تشرين الثاني تحركًا برلمانيًا حادًا قاده حزب البديل لأجل ألمانيا  ثاني أكبر كتلة في البرلمان حيث تقدم باستجواب عاجل للحكومة الألمانية حول تمويل مشاريع تُدار عبر منظمات مرتبطة بالإخوان، وعلى رأسها منظمة “كليم”. 

تزامن ذلك مع إعلان وزارة الداخلية الاتحادية تأسيس مجلس استشاري دائم لمكافحة الإسلام السياسي، بهدف وضع خطة فيدرالية شاملة لمواجهة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها الإخوان.

وفي تطور آخر، أعلنت الحكومة الألمانية في مطلع نوفمبر حظر منظمة “مسلم إنتراكتيف” التي تُعد أحد أهم أذرع الجماعة الدعائية عبر الفضاء الإلكتروني، مع تنفيذ مداهمات أمنية لجمع الأدلة، في خطوة أظهرت تشددًا غير مسبوق تجاه المنظمات المرتبطة بالإخوان.

كانت السويد بدورها على موعد مع الكشف عن ملفات مالية مشبوهة مرتبطة بشبكات تابعة للجماعة. فقد نشرت صحيفة “إكسبريسن” السويدية تقريرًا يتحدث عن تحقيقات تطال شبكة من الأئمة والجمعيات المتهمة باختلاس ملايين الكرونات من أموال دافعي الضرائب عبر مؤسسات تعليمية ومدارس خاصة ودور حضانة.

 التحقيقات كشفت أيضًا عن تراكم ديون ضريبية ضخمة على تلك المؤسسات، في وقت كان بعض القائمين عليها يسحبون أرباحًا شخصية.

وفي سويسرا، تقدمت النائبة جاكلين دو كواترو من الحزب الليبرالي الراديكالي بمقترح للمجلس الفيدرالي تطالب فيه بإعداد تقرير شامل حول وجود وتأثير الجماعات الإسلامية السياسية في البلاد، وعلى رأسها الإخوان. وحظي المقترح بدعم واسع، وسط توقعات بأن تبادر وزارة العدل والشرطة الفيدرالية إلى فحص أعمق لنشاط الجماعة في المجالات الدينية والتعليمية والاجتماعية.

أما النمسا، فقد اهتزت خلال العام على وقع الكشف عن وجود جاسوس داخل هيئة حماية الدستور وهي جهاز الاستخبارات الداخلية  يعمل لصالح جماعة الإخوان، وهي قضية أثارت ضجة كبيرة. ودعا حزب الحرية النمساوي، وهو من أكبر الأحزاب في البلاد، إلى تحقيق موسّع لمعرفة مدى الضرر الذي تسبب به الجاسوس وما إذا كان قد ساعد في إحباط عمليات أمنية. كما تقدم الحزب في فبراير/شباط الماضي بمشروع قرار للبرلمان يطالب بإصدار “قانون حظر الإسلام السياسي”، يستهدف خصوصًا منظمات الإخوان.

في جمهورية إيرلندا، طالبت السيناتورة المستقلة شارون كيغان بفتح تحقيق حكومي حول نشاط الجماعة، مؤكدة أن تأثيرها “انتشر دون رقابة كافية”. وجاءت تصريحاتها بعد إغلاق أكبر مسجد في العاصمة دبلن المركز الثقافي الإسلامي في كلونسكيه  بسبب شبهات مالية وارتباطات بتيارات متطرفة.

وفي مملكة بلجيكا، تجدد النقاش حول نشاط الجماعة بعد الكشف عن تحذيرات أصدرها جهاز أمن الدولة منذ عام 2020 حول ارتباط جمعية “CIIB” بفكر الإخوان، بالتزامن مع طلبها تمويلًا من الحكومة البلجيكية. وكشفت تسريبات لاحقة أن الجمعية تمثل “جماعة ضغط ذات توجه إخواني”، ما أعاد الجدل السياسي إلى الواجهة.

أما على الجانب الآخر من الأطلسي، فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أهم الخطوات ضد الجماعة، إذ وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أمرًا تنفيذيًا يقضي بدراسة تصنيف فروع من الإخوان في مصر ولبنان والأردن ضمن “المنظمات الإرهابية الأجنبية”. وأشار الأمر التنفيذي إلى أن تلك الفروع “تغذي الإرهاب وتدعم العنف وتضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها”. 

ووجه ترامب وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة الأمريكية لاتخاذ الإجراءات اللازمة خلال 45 يومًا، بما يشمل تجميد الأصول، وحظر دخول الأعضاء، ومصادرة أي أموال داخل الولايات المتحدة.

مجموع هذه التطورات جعل من عام 2025 عامًا مفصليًا في تاريخ الجماعة، إذ وجدت نفسها محاصرة من الدول العربية الكبرى ومن أوروبا والولايات المتحدة، بينما تتعرض أجنحتها الداخلية لتصدعات وانقسامات عميقة.

 وبات واضحًا أن قدرتها على المناورة السياسية تراجعت، وأن نفوذها  الممتد لعقود – يواجه تضييقًا غير مسبوق.

وبينما تحاول الجماعة إعادة التموضع عبر خطاب جديد أو محاولة استثمار التوترات الإقليمية، يعتقد باحثون في شؤون الحركات الإسلامية أن شبكات الإخوان تتعرض اليوم لأقسى موجة حصار عرفتها منذ تأسيسها. وأن عام 2025 قد يشكل بداية النهاية الحقيقية لقدرتها على الحركة عالميًا، خصوصًا مع تنامي التعاون الدولي لملاحقة تمويلاتها وأنشطتها الدعائية.