دراسات وأبحاث

صناعة السلاح بمنطقة الشرق الأوسط خلال 2026.. أبعاد جيوسياسية وتأثيرات اقتصادية

السبت 06 ديسمبر 2025 - 07:06 م
غاده عماد
الأمصار

يشهد العالم خلال السنوات الأخيرة تحولات تكنولوجية وجيوسياسية عميقة تدفع مختلف الدول إلى تطوير صناعاتها الدفاعية، بغرض تعزيز الردع وتوطين التكنولوجيا المتقدمة. وفي هذا السياق، تتجه دول الشرق الأوسط إلى الاستثمار المكثف في تطوير صناعات دفاعية محلية، والاستفادة من التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات غير المأهولة والأنظمة السيبرانية. ويهدف هذا التقرير إلى تحليل أبرز التحديثات التقنية في صناعة السلاح بالمنطقة، وانعكاساتها الاقتصادية والجيوسياسية المتوقعة.

مؤشرات أساسية لصناعة السلاح في الشرق الأوسط

يشير تحليل اتجاهات استيراد وتصنيع السلاح إلى اختلافات واضحة بين دول المنطقة خلال الفترة من 2020 إلى 2024 مقارنةً بالأعوام من 2015 إلى 2019. فقد شهدت المملكة العربية السعودية انخفاضاً في معدل استيراد السلاح من 11% إلى 6.8%، وتراجع المعدل ذاته في الإمارات من 3.3% إلى 2.6%، وفي تركيا من 1.7% إلى 1.1%. هذا التراجع يعكس توجهاً واضحاً نحو تعزيز التصنيع المحلي.

وفي المقابل ارتفعت واردات السلاح في دول أخرى مثل قطر التي ارتفعت من 3% إلى 6.8%، والكويت من 0.5% إلى 2.9%، والبحرين من 0.1% إلى 1.1%. وتكشف هذه الأرقام عن توجه عام نحو تطوير القدرات المحلية في بعض الدول، مقابل استمرار الاعتماد على الاستيراد في دول أخرى، وهو ما يرتبط بالقدرات الصناعية والتكنولوجية المتوافرة.

الشركات الإقليمية الرائدة في الصناعات الدفاعية

يضم الشرق الأوسط عدداً من الشركات الدفاعية التي أصبح لها موقع عالمي متقدم، حيث تضم تركيا خمس شركات، وإسرائيل ثلاث شركات، والإمارات شركة واحدة ضمن قائمة أكبر 100 شركة سلاح عالمية وفق معهد ستوكهولم لأبحاث السلام. وقد حققت هذه الشركات مجتمعة إيرادات بنحو 31 مليار دولار في عام 2024.

وتعد مجموعة إيدج الإماراتية نموذجاً بارزاً، إذ طورت قدرات متقدمة في الأنظمة ذاتية التشغيل والذكاء الاصطناعي والروبوتات والمواد الذكية والأنظمة السيبرانية. وبلغت إيراداتها الدفاعية 4.7 مليارات دولار عام 2024، ومن المتوقع أن ترتفع بعد توقيع صفقة ضخمة مع إندونيسيا بقيمة 7 مليارات دولار، تسهم في تعزيز حضور الإمارات عالمياً في هذا القطاع.

التحولات التقنية في صناعة السلاح

تعكس التحركات الأخيرة لدول الشرق الأوسط توجهاً واسعاً نحو دمج التقنيات الناشئة في الصناعة الدفاعية، خاصة الذكاء الاصطناعي. ففي عام 2024 وقّعت شركة برزان القطرية اتفاقيات تعاون مع شركات خليجية لتعزيز تصنيع الذخائر وتطوير أنظمة ذكية. وشهد عام 2025 تعاوناً بين برزان وتكتل إيدج الإماراتي لتطوير أنظمة تسليح تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

كما طورت السعودية مركبة دورية كهربائية محلية مزودة بطائرات مسيّرة تعمل بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب مشاركتها المحتملة في برنامج القتال الجوي العالمي GCAP لتطوير مقاتلة من الجيل السادس. ومن جانب آخر، تواصل إيران تطوير أنظمة مسيرة ذاتية التشغيل، ما يعزز سباق التسلح المدعوم بالذكاء الاصطناعي في المنطقة.

ويتوقع أن يشهد عام 2026 توسعاً كبيراً في إنتاج المركبات القتالية غير المأهولة والروبوتات العسكرية، لتصبح ركناً أساسياً في التكتيكات العسكرية لدول المنطقة.

صعود التصنيع المتقدم في مصر والمغرب

تتجه مصر بقوة نحو توطين التكنولوجيا الدفاعية، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال معرض إيديكس 2025 الذي شهد عرض أنظمة دفاعية مطورة محلياً. من أبرز هذه الأنظمة منصة ردع 300 القادرة على ضرب أهداف تصل إلى 300 كيلومتر، ومدفع مضاد للطائرات عيار 23 ملم بمعدل إطلاق مرتفع. كما عرضت مصر مدفع الهاوتزر K9 A1 EGY المتطور ونماذج حديثة من منظومات الصواريخ، إضافة إلى جهود لتوطين صناعة الفولاذ المدرع.

أما المغرب، فيشهد نمواً كبيراً في مجال الطائرات من دون طيار بالشراكة مع إسرائيل، ما وضعه في مرتبة متقدمة عالمياً. ويمتلك المغرب أكثر من 233 طائرة مسيرة، ويعمل على تصنيع طائرات مراقبة وقتالية محلياً وبناء مصانع للصيانة العسكرية، وهو ما عزز موقعه كأحد الفواعل الصاعدة في الصناعات الدفاعية بالمنطقة.

إدخال المنظومات التقنية المتقدمة

تركز دول الشرق الأوسط بشكل متزايد على إدخال أسلحة عالية التقنية مثل الغواصات المتطورة من طراز TYPE 039A التي تتميز بنظام دفع مستقل عن الهواء وقدرات هجوم واستطلاع متقدمة. كما تعمل بعض الدول على تطوير أو اقتناء مقاتلات شبحية من الجيل الخامس مثل الطائرة قآن، ومن المتوقع إنتاج ستة نماذج أولية منها بحلول منتصف 2026.

وفي المغرب تتضمن الاستراتيجية الدفاعية تعزيز أسطول الدبابات المتقدمة، حيث يمتلك 222 دبابة M1A1 SA و162 دبابة M1A2 SEP v3، إلى جانب تطوير العربات المدرعة بالتعاون مع الشركات الإسرائيلية والأمريكية، ما يعزز القدرات القتالية للجيش المغربي ويجعل البلاد مركزاً متقدماً للصناعات الدفاعية.

التأثيرات الاقتصادية لصناعة السلاح المتقدمة

يسهم تصنيع السلاح في تنشيط الاقتصاد عبر خلق الصناعات المكملة، وتوليد فرص العمل، ونقل التكنولوجيا، وتوسيع القدرات الإنتاجية. فقد أعلنت أكبر شركات الدفاع العالمية عن إيرادات بقيمة 631.9 مليار دولار عام 2024، ما يعكس الدور المحوري الذي تلعبه هذه الصناعة في الاقتصاد العالمي.

ومع توسع الشرق الأوسط في بناء قاعدة صناعية دفاعية محلية، يتوقع أن تصبح الصناعات الدفاعية إحدى الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي بحلول عام 2026، خاصة مع تعاظم حجم الصادرات الدفاعية والشراكات التكنولوجية.

توطين التكنولوجيا كأحد أهم المكاسب

يتطلب تصنيع الأسلحة الحديثة قدرات تكنولوجية متقدمة تشمل نظم الليزر والطباعة ثلاثية الأبعاد والتصميم بالحاسوب والإلكترونيات الدقيقة. ودفعت هذه المتطلبات دول المنطقة إلى دخول شراكات دولية لنقل التكنولوجيا. وفي هذا السياق، وقّعت مصر وتركيا عام 2025 اتفاقاً لتصنيع الطائرات المسيرة VTOL-UI، وهو مثال واضح على الجهود المبذولة لتوطين المعرفة الهندسية في القطاعات الدفاعية.

أبعاد جيوسياسية متوقعة

يمثل التوسع في الصناعات الدفاعية أداة فعالة لتعزيز القوة الناعمة والصلبة للدول، وبناء شراكات دولية جديدة. ومع صعود قدرات الشرق الأوسط الدفاعية، من المتوقع أن يتعزز نفوذها الجيوسياسي وأن تصبح لاعباً مؤثراً في تشكيل التوازنات العالمية، بما يسهم في انتقال النظام الاقتصادي العالمي نحو تعددية أكبر.

وتشهد منطقة الشرق الأوسط تحولاً جذرياً في صناعة السلاح، يتجه نحو دمج التقنيات المتقدمة وتوسيع التصنيع المحلي. وتشير المؤشرات إلى أن عام 2026 قد يكون نقطة تحول مهمة في توطين التكنولوجيا الدفاعية، مع توسع الدول في إنتاج أنظمة متقدمة تشمل الطائرات المسيرة والمركبات غير المأهولة والغواصات والمقاتلات الشبحية. ومن المتوقع أن تنعكس هذه التطورات إيجاباً على النمو الاقتصادي وتعزيز المكانة الإقليمية للدول، مما يفتح آفاقاً جديدة لدور المنطقة في الصناعات الدفاعية العالمية.