دراسات وأبحاث

منتدى الدوحة 2025.. "العدالة في العمل.. ما بعد الوعود نحو التقدم"

السبت 06 ديسمبر 2025 - 12:12 م
نرمين عزت
الأمصار

يعقد منتدى الدوحة 2025 في ظل مشهد دولي بالغ الاضطراب، يتّسم بتصاعد النزاعات، وتراجع الثقة في منظومة القانون الدولي، واتساع الفجوات الاقتصادية والإنسانية عبر العالم. 

وقد جاء منتدى الدوحة 2025 في وقت يشهد «أزمات متراكمة»: نزاعات، أزمات إنسانية، ضغوط اقتصادية، تغييرات تكنولوجية؛ مما يجعل موضوع «العدالة» والحوكمة الدولية ذات أهمية قصوى.

واختار المنتدى هذا العام هدفا واضحا جعله شعارًا للمنتدى وهو: “العدالة في العمل.. ما بعد الوعود نحو التقدم”، ليعلن منذ البداية أن هدفه ليس مجرد مناقشات نظرية، بل محاولة تحويل مفهوم العدالة إلى خطوات عملية ملموسة.

وشعار «العدالة في العمل» يعكس رغبة المنتدى بأن يكون منصة تتحول فيها المحادثات إلى أجندات ملموسة ، ليست مجرد كلام، بل خطوات تنفيذية.

ومنتدى الدوحة هو منصة دوليّة سنوية للحوار والدبلوماسية تجمع قادة دول، صانعي قرار، خبراء، وممثلين من مجالات متعددة لمناقشة قضايا عالمية تتعلق بالسياسة، الأمن، الاقتصاد، التنمية والإنسانية، النسخة 2025 هي الـ23 من عمر المنتدى.

يُعقد المنتدى في الدوحة، عاصمة قطر، خلال يومي 6 و7 ديسمبر 2025.

المشاركون في المنتدى:

-رؤساء دول وحكومات، وزراء خارجية ومسؤولين كبار من دول عديدة.

-أكاديميون، مفكرون، قادة رأي، خبراء في سياسات دولية، تنمية، اقتصاد، تكنولوجيا، حقوق إنسان.

القضايا التي يركز عليها المنتدى

ناقش منتدى الدوحة 2025 مجموعة واسعة من الملفات التي تتقاطع جميعها عند مفهوم العدالة العالمية، ومنها:

1. دور الوساطة في حل النزاعات

مع تركيز خاص على الأزمات الممتدة في الشرق الأوسط، ومسار السلام المتعثر في مناطق مختلفة من العالم.

2. أزمة الحوكمة الدولية

وتراجع فعالية المؤسسات الدولية في فرض القانون وضمان المساءلة، مما ينعكس على الثقة العامة في النظام الدولي.

3. التحديات الاقتصادية العالمية

خصوصًا الهوة المتسعة بين الدول ذات الموارد الضعيفة، وتلك التي تتحكم في مسارات الاقتصاد العالمي.

4. العدالة الإنسانية

بما في ذلك دعم اللاجئين، ورفع مستوى الاستجابة للأزمات الإنسانية، وضمان وصول المساعدات دون تسييس.

5. التحولات التكنولوجية وتأثيرها على العدالة

من الذكاء الاصطناعي إلى الأمن السيبراني، وتأثير التكنولوجيا على الفرص، والمخاطر، وحقوق الإنسان.

أهمية المنتدى في السياق الدولي الحالي

اكتسبت دورة هذا العام أهمية إضافية بسبب:

- استمرار النزاعات الإقليمية وتوسع آثارها الإنسانية.

- تفكك الإجماع الدولي حول معايير القانون الدولي.

- تزايد الحاجة إلى منصات حوار محايدة قادرة على جمع أطراف مختلفة حول طاولة واحدة.

وفي هذا السياق، نجح منتدى الدوحة في تكريس نفسه كأحد أهم المنصات العالمية التي تجمع قادة دوليين، وخبراء، ومؤسسات فكرية، ومنظمات دولية، لمناقشة قضايا عميقة تتجاوز السياسة التقليدية نحو رؤية شاملة للعدالة والتنمية والسلام.

أبرز الرسائل في كلمة رئيس وزراء قطر

افتتح الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أعمال المنتدى بكلمة عكست رؤية دولة قطر لدور العدالة والوساطة في معالجة الأزمات الدولية. وأكد في حديثه أن العالم لا يعاني فقط من النزاعات المسلحة، بل من “تآكل قيم العدالة” وغياب المساءلة الدولية، ما يهدد استقرار النظام الدولي بأكمله.

قال إنّ التحديات التي تشهدها المنطقة والعالم ليست معزولة عن تراجع احترام القانون الدولي — وأضاف إن «العدالة» أصبحت غائبة في كثير من الحالات.

شدد أن العالم لا يحتاج مزيدًا من الوعود، بل إلى عدالة تُترجَم إلى أفعال ملموسة — في إشارة لشعار المنتدى «Justice in Action».

أشار إلى أن غياب المساءلة على الصعيد الدولي هو أحد أخطر مظاهر الاختلال في النظام العالمي حالياً.

ولفت إلى أن «الوساطة» ليست رفاهية سياسية، بل منهج ثابت لدولة قطر — مؤكدًا أن الوساطة يجب أن تكون مسؤولة ونزيهة، وأن العدالة تفرض حياداً من دون ازدواجية في المعايير.

وأكد أن قطر تقف «إلى جانب ما يخدم الإنسان» وليس إلى جانب طرف ضد طرف — أي أن سياستها بحسب قوله تعتمد على العدالة والإنسانية وليس على الانحياز السياسي بحسب المصالح.

من جهة القضايا الدولية، ذكر أن هناك حاجة ماسة لمنظومة دولية أكثر عدلاً، تُعيد الثقة بالقانون الدولي وتضمن مساءلة دولية حقيقية.

وشدد على أن:

- احترام القانون الدولي لم يعد خيارًا، بل ضرورة لإعادة بناء الثقة بين الشعوب والدول.

- الوساطة ليست مبادرة ظرفية، بل “نهج استراتيجي” تتبناه قطر كجزء من مسؤوليتها تجاه الأمن الإقليمي والدولي.

- النظام العالمي بحاجة إلى آليات أكثر فاعلية لضمان المساءلة، وردع الانتهاكات، ومعالجة الازدواجية في تطبيق القوانين الدولية.

كما أشار إلى أن العالم “لا يحتاج مزيدًا من الوعود”، بل إلى إجراءات حقيقية تُجسّد العدالة، خاصة في ظل الأزمات الإنسانية المتفاقمة، وتداعيات الحروب، والضغوط الاقتصادية التي تطال المجتمعات الضعيفة.

 

هذا ويعكس منتدى الدوحة 2025..  إدراكًا متناميًا بأن العالم يقف أمام مرحلة تتطلب إعادة تعريف لمفهوم العدالة، ليس بوصفها قيمة أخلاقية فقط، بل كأداة عملية لبناء الاستقرار. وقد جاءت كلمة القيادة القطرية لتؤكد أن المستقبل لن يتحقق بالوعود، بل بخطوات جادة تُعيد للإنسان مكانته في قلب السياسات الدولية.

وبهذا، يقدم المنتدى نموذجًا لمقاربة عالمية جديدة تقوم على: العدالة، والمسؤولية، والوساطة الفعّالة، والتقدّم القائم على العمل لا الخطاب.