بعد ساعات قليلة على مقتل ياسر أبو شباب، قائد ميليشيات ما يُعرف بـ"القوات الشعبية" المنشطة في جنوب قطاع غزة، برز اسم غسان الدهيني كأبرز شخصية تتقدم لملء الفراغ القيادي داخل هذا التشكيل المسلّح الذي ظهر في الأشهر الأخيرة خلال الاشتباكات العنيفة في رفح.

ورغم إصابته خلال المواجهات ذاتها التي قُتل فيها أبو شباب، عاد الدهيني للظهور سريعًا، ما زاد من تساؤلات الفلسطينيين والمتابعين حول دوره الحقيقي وخلفيته وعلاقته بإسرائيل والصراعات الداخلية في غزة.
التقاطعات بين مقتل أبو شباب وصعود الدهيني دفعت كثيرين إلى قراءة المشهد بوصفه لحظة تحوّل داخل التشكيل المسلح، خاصة في ظل ازدياد نشاط "القوات الشعبية" في مناطق شرق وجنوب رفح تحت غطاء تواجد الجيش الإسرائيلي.
أصيب غسان الدهيني بجروح طفيفة خلال الاشتباكات التي شهدتها رفح وأدت إلى مقتل ياسر أبو شباب، ونُقل وفق تقارير إسرائيلية إلى مستشفى برزيلاي في عسقلان لتلقي العلاج.

غير أنّ المفاجأة تمثلت في ظهوره بعد يومين فقط خلال تشييع أبو شباب، في مشاهد بثتها حسابات تابعة لـ"القوات الشعبية" على وسائل التواصل، ظهر فيها الدهيني يتجول مدعومًا بعدد من المسلحين.
هذا الظهور السريع بعد إصابة نقلته إلى مستشفى إسرائيلي أثار أسئلة عديدة حول طبيعة دوره وتنسيقه مع الجيش الإسرائيلي، خصوصًا أن تحركاته لا تبدو معزولة عن نشاط القوات التي تعمل في مناطق التماس شرق رفح حيث تنتشر القوات الإسرائيلية.
في لقاء بثته القناة 12 الإسرائيلية مساء الجمعة، قدّم الدهيني رؤية واضحة لطبيعة الصراع الذي يتبنّاه.
وقال: "في حال انسحب الجيش الإسرائيلي من غزة، ستقاتل مجموعتي حماس حتى القضاء عليها."
كما تعهّد بالسير على نهج أبو شباب، مضيفًا: "سنواصل القتال بآخر ما تبقى من قوتنا حتى آخر الإرهابيين صغارًا وكبارًا… اليوم سترى حماس وجهها الحقيقي."
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تحمل بعدًا سياسيًا يتجاوز القتال الميداني، إذ تعكس توجّهًا واضحًا لدى "القوات الشعبية" لتقديم نفسها كقوة محلية بديلة لحماس في بعض مناطق رفح مستفيدة من الانهيار الأمني الذي خلفته الحرب.
الدهيني، البالغ من العمر 39 عامًا، ليس شخصية جديدة على الساحة الأمنية، فقد عمل ضابطًا في أجهزة أمن السلطة الفلسطينية قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2006، ثم دخل في صدامات مباشرة مع الحركة على خلفية اتهامات له بالانخراط في أنشطة مسلحة خارج إطار السلطة.

وتشير مصادر فلسطينية إلى أن الدهيني:
أُدرج منذ سنوات على قوائم أخطر المطلوبين لحركة حماس.
تعرض لمحاولتي اغتيال مباشرتين:
في الأولى أُصيب وقُتل شقيقه.
في الثانية نجا بعد تفجير منزل مفخخ شرق رفح.
اعتُقل عدة مرات من قبل حماس بتهم بينها الارتباط بجماعة "جيش الإسلام" السلفية المسلحة.
هذه الخلفية المتشابكة جعلت الدهيني شخصية مثيرة للجدل داخل رفح، بين من يراه "قائدًا محليًا ضد حماس" ومن يعتبره "امتدادًا لتشكيلات مسلحة تعمل بتنسيق مع الجيش الإسرائيلي".
ينحدر غسان عبد العزيز محمد الدهيني، مواليد 3 أكتوبر 1987، من قبيلة الترابين، إحدى أكبر القبائل البدوية في فلسطين وسيناء.
والانتماء لهذه القبيلة منح الدهيني بنية دعم اجتماعية قوية داخل المناطق الشرقية من رفح، وهي المناطق ذاتها التي نشطت فيها "القوات الشعبية" منذ تأسيسها.
وترى تقارير محلية أن القبيلة لعبت دورًا مهمًا في تعزيز نفوذ أبو شباب أيضًا، ما جعل انتقال القيادة إلى الدهيني مسارًا طبيعيًا داخل بنية المجموعة.

في الأسابيع التي سبقت مقتل أبو شباب، ظهر الدهيني في عدة مقاطع مصوّرة تُظهر اعتقال عناصر من حماس بعد خروجهم من الأنفاق، ثم التحقيق معهم.
وفي الوقت ذاته، زادت منشوراته على منصات التواصل في محاولات لتبرير تحركات مجموعته والرد على الاتهامات بأنها تعمل لصالح الاحتلال.
وبعد اغتيال أبو شباب، صرّح لصحيفة يديعوت أحرونوت: "لا أزال في رفح… ودفنّا ياسر في مراسم متواضعة.. عملنا سيستمر وفق خطته."
مع غياب أبو شباب، وتوسع الاشتباكات في رفح، أصبح الدهيني أكثر الأسماء تداولًا كقائد محتمل للمرحلة المقبلة داخل "القوات الشعبية". ومع استمرار تسرب المعلومات حول تلقيه علاجًا داخل إسرائيل وظهوره السريع بعدها، يواجه الدهيني اختبارًا صعبًا لإثبات قدرته على قيادة التشكيل من دون الارتهان الكامل للقوات الإسرائيلية.
وتصف وسائل إعلام فلسطينية المرحلة المقبلة بأنها "الأكثر حساسية في تاريخ المجموعة"، إذ تحاول "القوات الشعبية" ملء فراغ أمني كبير في مناطق مشتعلة وخاضعة لمعادلات معقدة بين الجيش الإسرائيلي وبقايا الحكم المحلي لحماس.