تستعد دولة ليبيا للدخول في مرحلة جديدة على صعيد الاستكشافات البحرية، مع اقتراب حفر أول بئر استكشافية في المياه العميقة بحوض سرت خلال يناير/كانون الثاني 2026، وذلك ضمن أكبر مشروع بحري تشهده البلاد منذ سنوات. ويأتي هذا التطور وفق بيان رسمي حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الخطوة تمثل تحولًا مهمًا في استراتيجية ليبيا للتوسع في الامتيازات البحرية وزيادة إنتاج الطاقة.
ويأتي المشروع في إطار شراكة موسعة تجمع مؤسسة النفط الليبية مع ائتلاف دولي يضم شركتي إيني الإيطالية وبي بي البريطانية إضافة إلى المؤسسة الليبية للاستثمار.
وتؤكد هذه الشراكة رغبة ليبيا في استعادة مكانتها كمركز واعد للاستكشاف البحري في البحر المتوسط، بعد فترة من التراجع بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية.
البئر الجديدة التي ستبدأ أعمال حفرها مطلع 2026 تقع في المنطقة البحرية (38/3)، على بعد نحو 170 كيلومترًا من الساحل الليبي، وتمثل نقطة البداية لبرنامج استكشافي أكثر نشاطًا سيشمل بئرين إضافيتين في حوضي سرت وغدامس خلال العام نفسه. وتُعد البئر أول مشروع استكشافي بحري بهذا العمق، إذ من المتوقع أن يصل عمق المياه إلى نحو 1900 متر، ما يجعلها من بين أعمق عمليات الحفر التي تُنفذ داخل الأراضي الليبية.
وتؤكد هذه الخطوة عودة الزخم الاستكشافي في ليبيا بعد سنوات من التوقف، خاصة أن المشروع يأتي بالتزامن مع استئناف أعمال مؤجلة منذ عام 2020 في مناطق شمال غرب البلاد، والتي شهدت تعطيلًا بسبب جائحة كورونا وتحديات لوجستية وأمنية متعددة.
سيجري تنفيذ أعمال الحفر عبر منصة الحفر شبه الغاطسة “سكارابيو 9” التابعة لشركة سايبم الإيطالية، والتي انتقلت مؤخرًا من مصر إلى ليبيا بعد إنهاء مهمتها لصالح شركة البرلس للغاز. وتعمل المنصة الآن بموجب عقد جديد مع “إيني شمال أفريقيا”، على أن تستمر في الخدمة حتى أوائل عام 2026.
وتمثل “سكارابيو 9” واحدة من أهم منصات الحفر البحرية فائقة العمق في العالم، إذ تم بناؤها عام 2011 وتبحر تحت علم جزر البهاما، وتتمتع بقدرة على العمل في مياه يصل عمقها إلى 12 ألف قدم، مع إمكانية الحفر حتى عمق 50 ألف قدم. كما تضم وحدات إقامة تتسع لنحو 200 فرد، ما يجعلها مناسبة للعمليات الطويلة في البيئات البحرية المعقدة.
وسيتركز عمل المنصة في المرحلة الأولى على إعادة الدخول إلى البئر الاستكشافية ج1-4/16 في المنطقة التعاقدية (د)، لاستكمال الحفر حتى الوصول إلى العمق النهائي البالغ 10,520 قدمًا – أي ما يقارب 3200 متر – بعد توقف دام أكثر من خمس سنوات.
إلى جانب الأنشطة في حوض سرت، استأنفت شركة إيني شمال أفريقيا أعمالها في القطعة (16/4) شمال غرب ليبيا، حيث كانت قد بدأت الحفر في عام 2020 قبل تعليق الأعمال عند عمق 1012 قدمًا بسبب الجائحة.
وتقع البئر في منطقة بحرية تبعد 95 كيلومترًا عن الساحل الليبي و15 كيلومترًا فقط من حقل بحر السلام، المُصنف كأحد أنجح الحقول الغازية في البلاد.
وتسعى السلطات الليبية، عبر المجلس الأعلى لشؤون الطاقة، إلى تسريع وتيرة المفاوضات مع الشركات الدولية لزيادة الاستثمار في الحقول البحرية، خصوصًا في حوض غدامس والمناطق الممتدة على طول ساحل سرت، بهدف رفع القدرة الإنتاجية وضمان استقرار سوق الطاقة المحلي.
وتشير كل هذه التطورات إلى أن ليبيا تتجه نحو عام استكشافي محوري في 2026، مع توقعات بأن تسهم عمليات الحفر الجديدة في رسم خريطة جديدة للاستكشافات النفطية والغازية داخل البلاد. كما يعزز المشروع موقع ليبيا كمركز واعد للطاقة في المنطقة، في وقت تتزايد فيه أهمية الموارد البحرية عالميًا.