دراسات وأبحاث

ما المُنتظَر من قمة ديسمبر بين رئيسَي الكونغو الديمقراطية ورواندا في واشنطن؟

الخميس 04 ديسمبر 2025 - 12:18 ص
غاده عماد
الأمصار

تمثل قمة واشنطن الأخيرة إعلاناً واضحاً عن عودة المبادرة الدبلوماسية الأمريكية إلى القارة الإفريقية، بعد فترة من تراجع الانخراط الفعّال مقارنةً بصعود أطراف دولية وإقليمية أخرى.

 وتأتي هذه العودة في لحظة تتسم بتصاعد الأزمات الأمنية في شرق القارة، ولا سيما النزاع الممتد بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، ما جعل إعادة انخراط واشنطن ضرورة استراتيجية لتعزيز حضورها وضمان قدرتها على التأثير في المعادلات المستقبلية.

إعادة ضبط التوازن الإقليمي
 

تُدرك الولايات المتحدة أن شرق إفريقيا يشكل نقطة اختبار حقيقية لقدرتها على حماية مصالحها الاستراتيجية.

 فاستمرار الصراع في منطقة البحيرات العظمى قد يفتح الباب أمام تمدد الفوضى المسلحة، وانتشار الجماعات المتطرفة، وتراجع ثقة الحلفاء الإقليميين بالدور الأمريكي.

 ومن هنا، جاءت القمة كخطوة تهدف لإعادة ضبط التوازنات في الإقليم عبر جمع الأطراف المتصارعة على طاولة واحدة، وطرح رؤية أكثر شمولاً لمعالجة جذور الأزمة.

ملامح المقاربة الأمريكية الجديدة
 

لم تكتفِ واشنطن بطرح إطار تقليدي للتفاوض، بل قدمت مقاربة جديدة تضم جوانب أمنية وسياسية واقتصادية مترابطة. 

فقد ركزت القمة على ضرورة الجمع بين وقف إطلاق النار، وترتيبات أمنية عملية، وبرامج إنمائية تساهم في تخفيف الاحتقان الطويل في شرق الكونغو.

وتؤكد هذه المقاربة أن الحل لا يمكن أن يكون مؤقتاً أو مبنياً فقط على التزام الأطراف بالتهدئة، بل يجب أن يطال الأسباب العميقة للصراع التي تشمل الفقر والتهميش وضعف الدولة في المناطق الحدودية.

ترميم الثقة المفقودة بين الكونغو ورواندا
 

أحد أكبر التحديات التي واجهتها الدبلوماسية الأمريكية هو غياب الثقة بين كينشاسا وكغالي. فعلى مدار السنوات الماضية، تبادل الطرفان الاتهامات المتعلقة بدعم المجموعات المسلحة، خصوصاً حركة إم23، ما أدى إلى حالة من التوتر المستمر على الحدود.

وخلال القمة، عملت واشنطن على وضع ضمانات واضحة تُجبر الجانبين على الالتزام بخطوات عملية، مثل وقف دعم الجماعات المسلحة، وتفعيل آليات مراقبة مشتركة، وضمان حماية الحدود وعودة النازحين.

الضمانات الدولية ودورها في إنجاح الاتفاق
 

اعتمدت القمة على مبدأ الضمانات الدولية كعنصر أساسي في أي اتفاق. وقد شددت واشنطن على ضرورة مشاركة دولية أوسع لدعم عملية السلام، سواء عبر مراقبة تنفيذ الالتزامات أو عبر توفير دعم اقتصادي يمكّن المؤسسات المحلية من استعادة دورها. 

كما تمت الإشارة إلى أهمية تنسيق الجهود مع الاتحاد الإفريقي وجماعة شرق إفريقيا لتعزيز المسار التفاوضي ومنع انهياره في أي مرحلة لاحقة.

 

آليات أمنية أكثر صرامة
 

طرح الجانب الأمريكي آليات أمنية متقدمة تهدف لضمان عدم تجدد العنف. وتشمل هذه الآليات تعزيز دور البعثات الإقليمية، وإرسال خبراء أمنيين، وتنفيذ برامج تدريب للقوات المحلية، بما يضمن القدرة على ضبط الحدود ومنع أنشطة الميليشيات.

 كما تم التطرق إلى ضرورة تطوير منظومة الإنذار المبكر وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول المعنية، لخلق بيئة أكثر قدرة على استيعاب أي تطورات مفاجئة.

 

بناء مسار سياسي واقتصادي شامل
 

تؤمن واشنطن بأن الحل الأمني وحده غير كافٍ، لذا ركزت القمة على المسار السياسي والاقتصادي، بما في ذلك دعم الحوار الداخلي في الكونغو، ومساندة الإصلاحات الحكومية، وطرح مشاريع تنموية تعيد الحياة إلى المناطق المتضررة من الصراع.

 فوجود اقتصاد محلي مستقر يعد بالفعل إحدى الركائز الأساسية التي يمكن أن تساهم في تجفيف مصادر التوتر والدفع نحو استقرار دائم.

تحديات التنفيذ واحتمالات النجاح
ورغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالقمة، إلا أن الواقع على الأرض لا يزال هشاً. فالجماعات المسلحة تمتلك القدرة على تعطيل أي اتفاق، والشكوك المتبادلة بين الكونغو ورواندا لم تُحسم بشكل كامل. لذلك، يرتبط نجاح المسار الجديد بدرجة الالتزام السياسي لدى الأطراف، وبالقدرة على تنفيذ الضمانات بدقة، وباستمرار الدعم الدولي لمنع حدوث أي انتكاسة.

 

سيناريوهات المستقبل
 

يفتح اتفاق واشنطن الباب أمام احتمالين رئيسيين. الأول هو نجاح مسار السلام عبر دعم أمريكي ودولي مكثف يغير قواعد اللعبة في شرق إفريقيا، ويمكّن الكونغو ورواندا من تجاوز خلافاتهما التاريخية، وبالتالي تثبيت استقرار طويل المدى في المنطقة. أما الاحتمال الثاني فيتمثل في عودة التوتر إذا أخفقت آليات التنفيذ أو غابت الإرادة السياسية، ما يعني تجدد العنف وعودة الإقليم إلى دائرة الصراع.

يمكن القول إن قمة واشنطن مثّلت محطة حاسمة في مسار إنهاء واحدة من أطول أزمات شرق إفريقيا، إذ وضعت إطاراً متكاملاً يشمل الأمن والسياسة والتنمية، وقدمت فرصة حقيقية لإعادة بناء الثقة بين الكونغو ورواندا.

 وبينما يبقى مستقبل الاتفاق رهناً بمدى التزام الأطراف وتعزيز الدعم الدولي، فإن الدبلوماسية الأمريكية استعادت من خلال هذه القمة دورها كلاعب مؤثر في تشكيل مستقبل المنطقة، بما يضمن تحقيق توازنات جديدة ويمنح مسار السلام فرصة حقيقية للنجاح.