تُعد بطولة كأس العرب واحدة من أبرز البطولات الإقليمية في عالم كرة القدم، وهي بطولة تجمع المنتخبات العربية تحت مظلة واحدة، بهدف تعزيز الروابط الرياضية والثقافية بين الدول العربية، وإبراز المواهب الكروية في المنطقة. ورغم أن البطولة لم تُنظم بشكل منتظم عبر تاريخها، فإنها ظلّت ذات أهمية كبيرة لما تحمله من طابع تنافسي وحضور جماهيري واسع.
فيما يلي عرض شامل لتاريخ البطولة وتطورها منذ انطلاقها وحتى الوقت الراهن.
انطلقت فكرة كأس العرب في أوائل الستينيات بجهود الاتحاد العربي لكرة القدم. وجاءت النسخة الأولى عام 1963 في العاصمة اللبنانية بيروت، بمشاركة خمس دول فقط: لبنان، تونس، الأردن، الكويت، وسوريا.
وشهدت هذه النسخة تتويج منتخب تونس بلقب أول نسخة في تاريخ البطولة، ما شكل بداية مسار تنافسي عبر العقود التالية.
تميزت النسخ الأولى من البطولة بطابعها الودي أكثر من كونه تنافسياً بحتاً، إلى جانب محدودية المشاركة بسبب الظروف السياسية والرياضية في تلك المرحلة. ومع ذلك، ساهمت هذه النسخ في ترسيخ البطولة كحدث رياضي عربي مهم.
بعد النسخة الثالثة عام 1966، دخلت البطولة في فترة طويلة من التوقف بسبب عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وصعوبات تنظيمية داخل الاتحاد العربي ذاته. ولم تُستأنف البطولة إلا في عام 1985 حيث أقيمت النسخة الرابعة في السعودية، وتوّج بها منتخب العراق الذي فرض هيمنته لاحقًا على البطولة.
وشهدت نسخة 1988، التي استضافتها الأردن، استمرار تألق العراق الذي حقق اللقب مرة أخرى، مواصلاً مسيرته الذهبية في البطولة.
يُعد المنتخب العراقي هو الأكثر تتويجًا في تاريخ كأس العرب، إذ أحرز اللقب أربع مرات. وقد شكّل خلال الثمانينيات والتسعينيات القوة العربية الأكبر في البطولة، مستفيدًا من جيل ذهبي من اللاعبين الذين تركوا بصمة واضحة في كرة القدم العربية.
استمرت البطولة في الظهور بشكل غير منتظم. ففي عام 1992، استضافت سوريا النسخة السابعة، وتوّج بها المنتخب المصري باللقب الوحيد له في البطولة. تلتها نسخة عام 1998 في قطر، والتي شهدت تتويج المنتخب السعودي، ثم نسخة 2002 التي استضافتها الكويت، وفاز بها المنتخب المغربي.
ورغم الاهتمام الجماهيري، ظلت البطولة دون استمرارية واضحة، حيث غابت لمدة عشر سنوات قبل أن تعود في 2012 في السعودية. شهدت تلك النسخة مشاركة واسعة من المنتخبات العربية، إلا أنها لم تحقق الاستمرارية المطلوبة لاحقاً.
في عام 2021 حدثت النقلة الأكبر في تاريخ البطولة عندما قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تنظيم نسخة خاصة من كأس العرب في قطر، قبل عام واحد من كأس العالم 2022. كان الهدف اختبار منشآت المونديال وتنظيم بطولة ذات طابع عالمي.
شارك في البطولة 16 منتخباً عربياً، وقدمت مستوى فنياً وتنظيمياً رائعاً، مما أعاد البطولة إلى الواجهة بقوة. تميزت هذه النسخة بحضور جماهيري ضخم، ومباريات قوية للغاية، أبرزها نصف النهائي بين الجزائر وقطر، والنهائي بين الجزائر وتونس الذي انتهى بفوز الجزائر باللقب لأول مرة في تاريخه.
وقد اعتبر كثير من المتابعين أن نسخة 2021 هي الأفضل في تاريخ البطولة بسبب التنظيم الاحترافي، وتغطية إعلامية عالمية، ومستوى المنافسات المرتفع.
تاريخياً، لعبت البطولة دوراً مهماً في:
إبراز المواهب العربية على مستوى إقليمي كبير.
تعزيز التنافس الشريف بين المنتخبات.
رفع مستوى الاحتكاك الفني للاعبين العرب.
خلق بيئة تسويقية وإعلامية تدعم تطور اللعبة في المنطقة.
كما ساهم إدراج نسخة 2021 تحت مظلة الفيفا في منح البطولة بُعداً عالمياً، وفتح الباب أمام إمكانية جعلها بطولة دورية معترفاً بها دولياً.
منذ انطلاقها عام 1963، مرّت بطولة كأس العرب بالعديد من التحديات والفترات المتقطعة، لكنها دائماً ما عادت لتثبت أهميتها في المشهد الرياضي العربي. ورغم عدم انتظامها، فإن ما حققته من أثر جماهيري وإعلامي يجعلها بطولة ذات قيمة خاصة. ومع نجاح نسخة 2021، أصبح الطريق ممهدًا لإحياء البطولة بشكل أكثر احترافية وتنظيمًا في المستقبل، بما يليق بتاريخ الكرة العربية وطموحات جماهيرها.
.