آراء وأقلام

د. عبد الحق عزوزي يكتب: «إيقاف وإنهاء الحروب والنزاعات الدولية... ولكن كيف؟»

الثلاثاء 02 ديسمبر 2025 - 01:41 ص
د. عبد الحق عزوزي
د. عبد الحق عزوزي

يعاني العالم من ويلات أزمات مستعصية وحروب لامتناهية، كما يعاني من أزمة ثقة هائلة ويعيش بين سندان قوة القانون ومطرقة قانون القوة؛ فهناك في العالم أزيد من 57 أزمة نزاع مفتوحة وهناك أزيد من 200 من الجماعات المسلحة، وتنامي الصراعات يكلف العالم نحو 17 تريليون دولار، وهي وقائع وأرقام لم تصل إليها البشرية من قبل؛ وهاته النزاعات المفتوحة وعلى رأسها ما يجري في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، لم تستطع هيئات الحكامة الدولية الحالية حلها، بل تبقى رهينة مصالح القوى العظمى...

ولكن أليس هناك بدائل؟ نعم هناك بدائل؛ وعلى رأسها منطق الحكمة الاستراتيجية. وهاته الحكمة مثلاً هي التي جعلت الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يقول إنه سيعمل على إنهاء الحرب في السودان بناء على طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال ترمب بالحرف خلال مؤتمر استثماري أميركي - سعودي في واشنطن العاصمة، إن ولي العهد السعودي يريد منه أن يقوم بـ«عمل مؤثر للغاية يتعلق بالسودان»، وأضاف قائلاً إنه «لم تكن من ضمن خططه المشاركة في ذلك» وأردف: «اعتقدت أنه أمرٌ جنوني وخارج عن السيطرة». ولكن كيف تم ذلك؟ الجواب عند الرئيس ترمب عندما قال إنه لم يسمع الكثير عن الصراع حتى اجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان في اليوم السابق: «لقد شرح الثقافة بأكملها والتاريخ بأكمله، وكان من المثير للاهتمام للغاية سماعه، بل كان من المدهش حقاً سماعه، كما تعلمون، لقد بدأنا بالفعل العمل على ذلك».

وهاته الحكمة الاستراتيجية هي التي جعلت مجلس الأمن يتخذ القرار التاريخي رقم 2797 الذي يكرس مغربية الصحراء، بعد تصويت 11 دولة لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء فيه، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية (صاحبة القلم) وبريطانيا وفرنسا واليونان وبنما وكوريا مع امتناع روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت؛ وأعرب القرار عن دعمه الكامل للأمين العام الأممي ولمبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء المفاوضات، استناداً إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي قدمه المغرب لأول مرة سنة 2007؛ كما أن الخطاب الملكي الذي جاء مباشرة بعد القرار الأممي، جاء جامعاً بين العقلانية والواقعية والبعد الإنساني، إذ أكد العاهل المغربي أن المغرب كان دائماً حريصاً على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، وهو لا يستغل هاته الانتصارات المشروعة لتأجيج الصراع والخلافات؛ ونستشف الجانب الإنساني من هذا الخطاب عندما وجه نداء صادقاً لإخواننا في مخيمات تندوف، لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، في إطار المغرب الموحد، وأيضاً عندما دعا الجزائر إلى حوار أخوي صادق، من أجل تجاوز الخلافات، وإحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس.

إن الانسداد السياسي والخلافات والانقسامات هي للأسف خصائص البوصلة المعطوبة التي تحدد الاتجاه بالنسبة للبيئة الاستراتيجية الدولية، وهذا ما يقوي الغموض والمجهول واللايقين والتوجس في النظام العالمي الحالي، ويجعل من مسألة أنسنة العلاقات الدولية أمراً صعباً وحل النزاعات أمراً معقداً وإصلاح المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية أمراً مستحيلاً...

فهناك مسؤولية تاريخية واستراتيجية في سياق الأزمات الدولية الحالية، ويجب على كل الفاعلين في الساحة الدولية أن يحملوا نظرة صحيحة عن الحاضر والمستقبل والإبداع المنشئ للسلم والسلام؛ فلو اكتفى الإنسان بعملية إضاءة الشمعة فقط دون النظر إلى البديل لما اهتدى إلى المصابيح الكهربائية ودخول الكهرباء في جميع مناحي الحياة؛ ولذلك أقول هنا إن حل النزاعات الدولية يجب أن يكون ذكياً وينطلق من القواسم المشتركة التي تجمع بني البشر، ويبحث عن البدائل الإيجابية والمثمرة لكل الأزمات حتى تنتظم به المفاهيم المشتركة، وتتوحد معه الغايات المشتركة، ويصان به المصير الإنساني المشترك في عالم تفيد تقديرات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة بأن عدد سكانه تخطى عتبة ثمانية مليارات نسمة؛ وتجاوز هذه العتبة الرمزية يعدّ فرصة للاحتفال بالتنوع والتطوّر مع مراعاة المسؤولية المشتركة للبشرية للعيش في أمن وأمان وسلم وسلام...

كما أن هاته المسؤولية التاريخية يجب أن توقف قانون القوة الذي هو للأسف الطاغي فيما يجري من أحداث في النظام العالمي الحالي، وقوة القانون والحكمة الاستراتيجية هما اللتان ستزيلان من الابتسامة الغربية النفاق وازدواجية المعايير التي لا تخدم إلا مصالحها، وتقوي كل يوم الخط الفاصل بين دول الجنوب الشاملة والفاعلين الكبار في النظام العالمي، بل وتزيد من حدة التوتر بين القوى العظمى أنفسها.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط