الشام الجديد

سوريا تطلق أول صحيفة ورقية جديدة بعد سقوط النظام

الإثنين 01 ديسمبر 2025 - 05:10 م
مصطفى سيد
الأمصار

في خطوة تعد تحولًا لافتًا في المشهد الإعلامي داخل الجمهورية العربية السورية، تستعد السلطات الجديدة في دمشق، اليوم الاثنين، لإطلاق أول صحيفة ورقية رسمية بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، في وقت يشهد فيه العالم تسارعًا كبيرًا نحو الإعلام الرقمي ودخول الذكاء الاصطناعي بقوة إلى غرف الأخبار.

ورغم التحول الواسع نحو الإعلام الإلكتروني، تؤكد الجهات المسؤولة في سوريا أن الصحافة المطبوعة ما زالت تحتفظ برمزيتها التاريخية ودورها التوثيقي، وهو ما دفعها إلى إعادة إحياء هذا الإرث عبر إصدار صحيفة مطبوعة تحمل رسائل المرحلة الجديدة. 

وقد استعان القائمون على الصحيفة في عددها الأول بأبيات للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، في إشارة إلى هوية ثقافية تريد دمشق الجديدة تثبيتها كجزء من خطابها الإعلامي القادم.

وتعود جذور الصحافة المطبوعة في سوريا إلى أكثر من 170 عامًا، حيث تُعد من أقدم التجارب الصحفية في الشرق الأوسط. ووفق ما أوردته منصة "سوريا الآن"، فقد صدرت أول مطبوعة دورية في البلاد عام 1851 بعنوان "مجلة مجمع الفوائد"، لتشكل نقطة انطلاق للصحافة السورية رغم قلة الإمكانات ووجود الرقابة العثمانية آنذاك.

وفي عام 1865، صدرت أول صحيفة رسمية تحمل اسم "سوريا" وكانت تصدر بلغتين: العربية والتركية العثمانية. هذا الإصدار اعتبره المؤرخون الولادة الحقيقية للصحافة المطبوعة في بلاد الشام. ومع انتهاء الحكم العثماني وبداية الانتداب الفرنسي، شهدت الصحافة السورية ازدهارًا غير مسبوق؛ حيث ظهرت عشرات الصحف التي عبّرت عن توجهات سياسية وفكرية متنوعة، وتحولت دمشق وحلب إلى ساحات تعج بالنقاش العام والانتقاد السياسي.

ومن بين أبرز الصحف التاريخية السورية صحيفة "الأيام" التي تأسست عام 1919، وصحيفة "ألف باء" التي انطلقت عام 1920 وأصبحت صوتًا قويًا للشارع السوري في مواجهة سياسات الانتداب الفرنسي. وفي الأربعينيات والخمسينيات، بلغت الصحافة السورية ذروتها، وتميزت بالجرأة وتنوع الآراء والانفتاح الثقافي.

لكن هذه الحركة الإعلامية النشيطة تلقت ضربة قوية بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في الثامن من مارس 1963، حيث توقفت معظم الصحف المستقلة، وأُغلقت المؤسسات الصحفية الخاصة. ومع تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد الحكم عام 1970، تم تكريس السيطرة الحكومية المطلقة على الإعلام، واقتصرت الصحافة الرسمية على ثلاث صحف: "الثورة" لسان الحكومة، و"البعث" لسان الحزب، وتشرين لسان الدولة.

وفي مرحلة بشار الأسد، ظهرت بعض الصحف الخاصة مثل "بلدنا" و"الوطن"، لكنها ظلت تعمل ضمن هامش محدود وتحت رقابة شديدة. وبعد عام 2011 ومع اندلاع الثورة السورية، فقدت الصحف الورقية معظم جمهورها، وانتقلت غالبية المؤسسات الإعلامية إلى الفضاء الرقمي أو إلى خارج البلاد.

اليوم، ومع إطلاق أول صحيفة مطبوعة في سوريا الجديدة، يرى مراقبون أن الخطوة تحمل أبعادًا رمزية وثقافية، وتؤشر إلى رغبة السلطات الحالية في إعادة تشكيل المشهد الإعلامي بما يعكس هوية مختلفة عن تلك التي سادت خلال العقود الماضية.