خلال الحرب التي شهدتها ولاية الجزيرة، تحوّلت أجساد النساء وحياتهنّ إلى ساحة مواجهة أخرى موازية للقتال. فقد وجدت النساء أنفسهن بين عنف السلاح وعنف المجتمع، يهربن من رصاص المقاتلين ليواجهن رصاص الوصمة داخل البيوت. كان الخوف والجوع والنزوح عناوين قاسية لحياة آلاف النساء اللواتي لم يخترن الحرب، لكنهن دفعن فاتورتها الأكبر.
اضطرت نساء كثيرات للخروج بحثاً عن لقمة العيش بعد أن انقطع الغذاء، فوجدن أنفسهن في مواجهة شروط قاسية للعمل وضعها أفراد قوات الدعم السريع، تبدأ بالمظهر وتنتهي بالإكراه على النهب. كثيرات، مثل (ع)، جُرِّدن من حق الاختيار، واستخدمن قسراً في سرقة المصانع والمتاجر، ثم أُعيدن سيراً على الأقدام بلا أدنى اكتراث بكرامتهن أو جوعهن.
في القرى، عاش النساء حصاراً يومياً، إذ تحولت حركتهن داخل الأماكن الصغيرة إلى مغامرة محفوفة بالخطر. كان التهديد بالاغتصاب جزءاً معلناً من خطاب الحرب، ما دفع الأهالي لعزل النساء داخل المنازل، وعدم السماح لهن بالخروج إلا في حالات الضرورة القصوى. ومع ذلك، لم يسلمن من المداهمات، والتفتيش المهين، والخطف، والتهديد بخطف الأطفال.
خلال فترات الاقتحام، حاول الرجال حماية النساء بوسائل بدائية: إخفاؤهن في بيوت مهجورة، تغطية الأبواب بالأشواك، جمع الأموال لإبعاد المسلحين، وحتى ابتكار إشارات تنبيه كالصفارة لتحذيرهن من الخطر. ومع ذلك، ظل الخوف من الوصمة هو الدافع الأكبر وراء تلك الحماية، في مجتمع يعتبر شرف المرأة مسؤولية الرجل، ويُحمِّل المرأة ذنب عنف لم ترتكبه.
رحلات النزوح كشفت فصلاً آخر من المأساة. مشياً لأيام تحت المطر والشمس، تعرضت النساء للجوع، والإهانات، وفقدان الأحبة، وحتى الاغتصاب أمام أسرهن. كثيرات دفنّ أمهاتهن أو أخواتهن في الطرقات، ثم واصلن السير مُكرهاته على الحياة. وعندما وصلن مراكز الإيواء، وجدن أماكن غير مجهزة، ونقصاً في الخدمات الصحية والنفسية، إضافة إلى رقابة صارمة من الرجال الذين منعوا الناجيات من التحدث عن الانتهاكات خوفاً من العار.
حتى بعد الوصول إلى برّ الأمان النسبي، واجهت النساء مرحلة جديدة من الألم: الطرد من البيوت، اللوم، ونظرة المجتمع القاسية. الناجيات من الاغتصاب وُصمن وكأنهن مذنبات، لا ضحايا، وتعرضن لعنف نفسي وأسري مضاعف.
إن ما حدث لنساء الجزيرة ليس حدثاً عابراً، بل وصمة أخلاقية على جبين الحرب والمجتمع معاً. هؤلاء النساء قدمن من أرواحهن أكثر مما يحتمل البشر، وما يزلن يثبتن أنهن ناجيات قادرات، حين تتوفر لهن الحماية والعدالة. فلا معنى لأي سلام لا يضع جراح النساء في مقدمة طريق العدالة.