الشام الجديد

تركيا تعارض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص

الخميس 27 نوفمبر 2025 - 06:26 م
غاده عماد
الأمصار

عارضت تركيا توقيع لبنان وقبرص اتفاقية جديدة لترسيم حدودهما البحرية، معتبرة أن هذه الخطوة «تمس بشكل مباشر الحقوق والمصالح المتساوية لجمهورية شمال قبرص التركية» غير المعترف بها دولياً. وفي الوقت ذاته، أبدت أنقرة استعدادها للتعاون مع لبنان في الملفات البحرية بما يحفظ حقوقه ومصالح شعبه، وفق ما جاء في بيان وزارة الخارجية التركية.

 

منظور تركي يرتبط بقضية قبرص

 

المتحدث باسم الخارجية التركية، أونجو كيتشالي، أوضح أن أنقرة تنظر إلى الاتفاقية من زاوية تتصل بمصالح القبارصة الأتراك. وأشار إلى أن قبرص اليونانية اعتادت منذ عام 2003 على توقيع اتفاقيات ثنائية لترسيم الحدود البحرية مع دول المنطقة، من دون التشاور مع القبارصة الأتراك الذين يتمتعون، حسب أنقرة، بحقوق سيادية متساوية على الجزيرة.

وقال كيتشالي إن الاتفاقية التي أعيد توقيعها بين لبنان وقبرص، رغم أنها تقع خارج الجرف القاري التركي المسجل لدى الأمم المتحدة في 18 مارس 2020، فإن تركيا تتعامل معها في إطار «القضية القبرصية» وما يتعلق بحقوق ومصالح الشطر الشمالي من الجزيرة.

 

انتقاد للخطوات «الأحادية» لقبرص

 

اتهمت تركيا الجانب القبرصي اليوناني بأنه «لا يمثل الجزيرة بأكملها»، ولا يملك صلاحية اتخاذ قرارات منفردة تمس الموارد البحرية دون إشراك القبارصة الأتراك.

 وشدد كيتشالي على أن توقيع أي دولة ساحلية، ومنها لبنان، اتفاقيات مماثلة مع قبرص قد يؤثر على الحقوق المشروعة للقبارصة الأتراك.

ودعا المتحدث التركي المجتمع الدولي، ولا سيما دول المنطقة، إلى عدم دعم ما وصفه بـ«الخطوات الأحادية» التي تنفذها قبرص اليونانية، والتي تعتبرها أنقرة محاولة لانتزاع حقوق ومصالح القبارصة الأتراك. وأكد أن تركيا ستواصل الدفاع بحزم عن هذه الحقوق في شرق المتوسط.

 

اتفاق لبناني – قبرصي يوصف بـ«التاريخي»

 

الاتفاقية التي أثارت الموقف التركي تم توقيعها في بيروت بين الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس ووزير الأشغال العامة اللبناني فايز رسامني، بحضور الرئيس اللبناني جوزيف عون. ووصف الجانبان الاتفاق بأنه «خطوة تاريخية» من شأنها تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليمي، وفتح الباب أمام استكشاف الثروات البحرية وتطوير مشاريع مشتركة، خصوصاً في قطاع الطاقة.

وكانت الحكومة اللبنانية قد أقرت الاتفاقية في 23 أكتوبر الماضي قبل إعلانها الرسمي، رغم وجود تحذيرات داخلية من احتمال وجود ثغرات قد تؤدي إلى خسارة لبنان أجزاء من منطقته الاقتصادية الخالصة، كما حدث خلال اتفاق ترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل عام 2022.

 

خلفية النزاع في شرق المتوسط

 

يشكّل شرق المتوسط ساحة نزاع معقد بين تركيا واليونان وقبرص منذ سنوات، حيث تتداخل ملفات تقاسم الحدود البحرية والجرف القاري وحقوق استكشاف الغاز. وتؤكد تركيا أن لها، ولـ«جمهورية شمال قبرص التركية»، حقوقاً في الموارد الطبيعية في المنطقة، وهي حقوق لا تعترف بها اليونان أو قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي.

ومنذ عام 2019، أرسلت تركيا سفن تنقيب وحفر قبالة سواحل قبرص، ما تسبب في توترات حادة وفرض عقوبات أوروبية محدودة عليها. وفي أكتوبر 2020، سحبت سفينة التنقيب «ياووز» في خطوة رآها الاتحاد الأوروبي مساهمة في تهدئة الأجواء.

ولا تزال الخلافات قائمة بشأن مناطق النفوذ البحري، وآخرها رفض تركيا التخطيط المكاني البحري الذي سجّلته اليونان على منصة الاتحاد الأوروبي، معتبرة أنه يتجاهل مبادئ القانون البحري الدولي، حسب تعبيرها.

 

اعتراض عسكري تركي واستعداد للحوار مع لبنان

 

تعليقاً على إعلان الاتفاقية اللبنانية – القبرصية، قال مسؤول عسكري تركي إن أنقرة «لا يمكنها قبول أي اتفاقية تتجاهل حقوق جمهورية شمال قبرص التركية»، معتبراً أن هذه الخطوة «تنتهك أيضاً مصالح الشعب اللبناني».

ورغم ذلك، أكد المسؤول استعداد بلاده للتعاون مع لبنان في القطاع البحري، مشيراً إلى أن التواصل بين الجانبين مستمر في هذا الإطار. وتأتي هذه التصريحات ضمن محاولات أنقرة لعدم خسارة علاقتها المتوازنة مع بيروت رغم اعتراضها على الاتفاق.

 

موقف «قبرص الشمالية»

 

وزارة الخارجية في «جمهورية شمال قبرص التركية» أصدرت بياناً أكدت فيه أن الاتفاقية تشكل «حلقة جديدة» ضمن سلسلة من المحاولات الأحادية التي يقوم بها الجانب القبرصي اليوناني منذ عام 2003، لاغتصاب حقوق القبارصة الأتراك في الجزيرة وفي شرق المتوسط.

وجددت الوزارة تأكيدها على مواصلة «الموقف الحازم» في الدفاع عن الحقوق السيادية المتساوية للقبارصة الأتراك ومواردهم الطبيعية. ودعت المجتمع الدولي إلى عدم دعم ما وصفته بخطوات «تزيد التوتر في المنطقة».

 

سياق إقليمي معقد

 

تأتي هذه التطورات في وقت يشهد شرق المتوسط تنافساً محتدماً على ثروات الغاز وتقاطعات سياسية بين تركيا واليونان وقبرص ومصر ولبنان وإسرائيل. ويُرجّح أن تعمّق الاتفاقية الجديدة شبكة الاصطفافات في المنطقة، بينما تحاول تركيا منع أي ترتيبات بحرية تُستبعد منها أو من حليفها في شمال قبرص.

وفي المقابل، يرى لبنان وقبرص أن الاتفاقية تخدم مصلحة البلدين عبر تعزيز التعاون وفتح الباب أمام مشاريع استكشاف الطاقة في مرحلة حساسة يعاني فيها لبنان من أزمة اقتصادية خانقة.