دراسات وأبحاث

ما انعكاسات تولي الهند رئاسة بريكس لعام 2026؟

الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 - 07:04 م
غاده عماد
الأمصار

تستعد الهند لتولي رئاسة تكتل بريكس في عام 2026، في مرحلة تتسم بتغيرات دولية متسارعة وتنامي دور الاقتصادات الصاعدة في إعادة تشكيل النظام العالمي. 

ورغم أن أهداف بريكس الكبرى لن تتبدل، فإن الأساليب والآليات المتبعة لتحقيق هذه الأهداف مرشحة للتطور تحت قيادة نيودلهي، خاصة في ظل الرؤية الطموحة التي عبّر عنها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال قمة ريو دي جانيرو 2025. ويهدف هذا التقرير إلى تحليل الكيفية التي قد تُعيد بها الهند توجيه مسار التكتل خلال المرحلة المقبلة.

أولاً: بريكس عام 2025 – قاعدة انطلاق لرئاسة الهند
 

شهد التكتل خلال عام 2025 مجموعة من الإنجازات التي وفرت أساساً لخطط العمل المستقبلية.
ففي ملف التوسّع، ارتفع عدد الأعضاء إلى عشرة بانضمام إندونيسيا رسمياً بداية 2025، ما رفع الناتج الاقتصادي للتكتل إلى نحو 28.5 تريليون دولار. يمثل هذا التوسع خطوة محورية نحو بناء منظومة عالمية متعددة الأقطاب، خصوصاً أن الاقتصاد الإندونيسي يُعد الأكبر في جنوب شرق آسيا وينمو بوتيرة متسارعة.

كما حققت البرازيل خلال رئاستها تقدماً في ملف المناخ، إذ وضعت إطاراً لخطة خمسية لتمويل المناخ في الدول النامية، بهدف تعزيز مشروعات التكيّف وربط التمويل بالتنمية المستدامة.

وعلى الصعيد المالي، اتجه التكتل إلى تقليل الاعتماد على الدولار من خلال توسيع استخدام العملات المحلية في التسويات التجارية، وهو توجه دعّمته الصين وروسيا والهند عبر اتفاقات ثنائية متزايدة.

أما في مجال التعاون الاقتصادي، فقد نشّط مجلس أعمال بريكس منصات التعاون، وشهدت التجارة بين دول التكتل نمواً واضحاً؛ مثل ارتفاع المبادلات التجارية بين البرازيل ومصر، وتعاظم حجم التجارة بين الصين والإمارات.

وفي ملفالذكاء الاصطناعي، اعتمد قادة بريكس إعلاناً خاصاً بحوكمة التكنولوجيا، ركز على أخلاقيات الاستخدام وحماية البيانات، وهو ما وضع أساساً لخارطة طريق مستقبلية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي.

 

ثانياً: معالجة اختلال الميزان التجاري – أولوية رئاسية للهند
 

دخلت الهند عام 2026 وهي تواجه تحديات تتعلق بالتوازنات التجارية مع بعض دول التكتل؛ إذ أكدت خلال القمة الطارئة لبريكس سبتمبر 2025 أن أكبر عجز تجاري لديها هو مع شركائها داخل المجموعة. ويأتي ذلك في سياق توتر نسبي في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بعد فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الهندية.

بناءً على ذلك، ستسعى الهند إلى إعادة صياغة علاقاتها التجارية داخل بريكس من دون الإضرار بشراكتها الإستراتيجية مع واشنطن. ومن المتوقع أن تعمل نيودلهي على تأمين سلاسل التوريد وتعزيز مرونتها، مع ضمان عدم استغلال أي طرف لموارده الاقتصادية كأداة ضغط سياسي أو اقتصادي.

 

ثالثاً: التوطين التكنولوجي وتعزيز مكانة الهند الرقمية


 تتمتع الهند بموقع متقدم في عالم التكنولوجيا الحديثة، إذ يُتوقع أن يصل إنفاقها على الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 10 مليارات دولار بحلول 2028. وقد دمجت 40% من المؤسسات الهندية أشكالاً من الذكاء الاصطناعي في أعمالها، فيما تخطط نسبة مماثلة لاعتماده قريباً.

لذلك يُرجح أن تدفع الهند خلال رئاستها بريكس نحو توسيع الاستثمار في التكنولوجيا داخل الدول الأعضاء، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. كما دعت الهند دول التكتل للمشاركة في “قمة تأثير الذكاء الاصطناعي” التي تستضيفها عام 2026، في إطار محاولتها إرساء شعار “الذكاء الاصطناعي للجميع”.

ومن المتوقع أن تعمل الهند على تطوير معايير مشتركة للتحقق من صحة المحتوى الرقمي، وتعزيز الشفافية والحد من الاستخدامات المسيئة للتكنولوجيا.

 

رابعاً: تعزيز العلوم والبحوث المشتركة
 

من المنتظر أن تدفع الهند باتجاه إنشاء مستودع علوم وبحوث مشترك لدول بريكس، وهو مقترح سبق أن عرضته عام 2025. وتتمتع الهند بمكانة عالمية في الأبحاث العلمية كونها تحتل المرتبة الثالثة في حجم الإنتاج البحثي، وهو ما يمكّنها من تعزيز التعاون البحثي بين دول التكتل وتوسيع فوائده ليشمل دول الجنوب العالمي.

خامساً: دفع التعاون الاقتصادي والمالي

تتوقع نيودلهي خلال رئاستها تنشيط آليات التمويل المشترك عبر بنك التنمية الجديد، بهدف دعم مشروعات البنية التحتية الخضراء والتنمية المستدامة. كما يمكن أن تشهد الفترة المقبلة توسعاً في التعامل بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار.

وفي القطاعات الإنتاجية، قد تستفيد الهند من موقعها كمركز عالمي لصناعة المنسوجات، مما يفتح فرصاً لدفع صادراتها داخل أسواق بريكس وتعزيز التعاون الصناعي المستدام عبر التمويل الأخضر.


تمثل رئاسة الهند لبريكس عام 2026 محطة تحول في مسار التكتل، إذ تمنح نيودلهي فرصة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي وتوجيه أجندة بريكس نحو أولويات التنمية والاقتصاد الرقمي وإصلاح المؤسسات الدولية. كما تعزز الرئاسة الهندية دور التكتل كمحرك رئيسي للنظام متعدد الأقطاب، في وقت تتزايد فيه أهمية الاقتصادات الصاعدة.

ومع ذلك، فإن النجاح مرهون بقدرة الهند على إدارة توازنات دقيقة داخل التكتل ومع الشركاء الخارجيين، إضافة إلى ضمان تنفيذ المبادرات بشكل عملي. ومع توفر هذه الشروط، يمكن أن تسهم رئاسة الهند في إعادة تشكيل خريطة التعاون الدولي وتعزيز مسار التحول الاقتصادي لدول بريكس بأكملها.