المغرب العربي

جدل ليبي واسع قبيل انطلاق الحوار الأممي المرتقب

الأحد 23 نوفمبر 2025 - 10:12 م
هايدي سيد
الأمصار

تعيش الساحة السياسية في ليبيا حالة واضحة من الجدل عقب التصريحات التي أدلت بها نائبة رئيسة بعثة الأمم المتحدة للشؤون السياسية، ستيفاني خوري، بشأن «عدم إلزامية» مخرجات «الحوار المهيكل» الذي تعتزم البعثة إطلاقه خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. 

وقد أعاد هذا التصريح إشعال نقاشات قديمة حول جدوى المسارات السياسية التي تُطلق دون ضمانات تنفيذ، خصوصاً في ظل تكرار المبادرات التي لم تُحدث اختراقاً ملموساً في الأزمة الليبية الممتدة منذ أكثر من عقد.

وأكدت المسؤولة الأممية، في مقابلة عبر قناة ليبية محلية، أن هدف البعثة يتمثل في الوصول إلى «تمثيل عادل وتوصيات قابلة للتطبيق ضمن خريطة طريق واقعية»، إلا أن هذا التوضيح لم يكن كافياً لطمأنة شريحة واسعة من الليبيين الذين يخشون من أن يتحول الحوار الجديد إلى محطة إضافية ضمن سلسلة «حوارات بلا نتائج» شهدتها البلاد منذ اتفاق الصخيرات عام 2015.

وقد انقسمت الآراء في ليبيا بشأن تصريحات خوري. فهناك من رأى فيها طرحاً واقعياً يأخذ في الاعتبار حدود الدور الأممي، بينما اعتبر آخرون أنها تعكس «عجزاً دولياً مزمناً» عن الدفع بحلول تُنهي الانقسام السياسي وتعيد توحيد المؤسسات.

من بين الأصوات المؤيدة، برز عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، محمد الهادي، الذي وصف موقف خوري بأنه «منسجم مع الدور الاستشاري للأمم المتحدة». وقال إن المنظمة الدولية «لا تستطيع فرض حلول على الليبيين، بل تكتفي بتيسير الحوار وطرح المقترحات». 

وأضاف أن الحديث عن «عدم الإلزام» هدفه الابتعاد عن سيناريو الطعون القانونية والاعتراضات التي رافقت اتفاق الصخيرات سابقاً، مشدداً على أن «القيمة الحقيقية لأي مخرجات سياسية تكمن في قدرتها على خلق توافق وطني وليس في إلزاميتها القانونية».

ورغم اتساع موجة الانتقادات، تمضي البعثة الأممية في استقبال طلبات الترشيح للمشاركة في الحوار المرتقب، المتوقع أن يضم نحو 120 شخصية من مختلف المناطق الليبية، وذلك ضمن «خريطة الطريق» التي وضعتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه لإنعاش المسار السياسي وإتمام الانتخابات خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهراً.

وفي مقابل ذلك، تتحرك أحزاب ومجالس اجتماعية ليبية لوضع ترتيبات المشاركة، من بينها «المجلس الاجتماعي في سوق الجمعة»، الذي بدأ مناقشة آلية اختيار الشخصيات المؤهلة.

 كما باشر «حزب القمة الليبي» اتصالات مع جهات سياسية مختلفة لتنسيق موقف مشترك من الحوار، إلا أن رئيس الحزب عبد الله ناكر اعتبر العملية «مضيعة للوقت»، موضحاً أن «التوصيات غير الملزمة لن تُجبر الجهات المتنفذة على التنفيذ، ما يجعل الحوار مجرد إجراء لإطالة الأزمة».

من جهته، ذهب الباحث السياسي الليبي أحمد المهدوي إلى القول إن تصريحات خوري تعد «تغطية مبكرة على إخفاق محتمل لخريطة الطريق الأممية»، معتبراً أن البعثة «لم تُحسن إدارة الحوارات السابقة»، في إشارة إلى اللجنة الاستشارية وتجارب أخرى انطلقت ثم انتهت دون نتائج حقيقية.

وأشار المهدوي إلى أن «تراجع أعداد المتقدمين للمشاركة» يعكس حالة «عزوف عام» تجاه العملية السياسية الجديدة، بسبب ابتعادها – بحسب رأيه – عن أولويات المواطن الليبي اليومية.

وفي السياق ذاته، يرى رئيس لجنة الأمن القومي سابقاً في «المؤتمر الوطني العام»، عبد المنعم اليسير، أن السجال حول إلزامية مخرجات الحوار «لا يغيّر من حقيقة الأزمة العميقة»، مشيراً إلى جملة من التحديات الأساسية، أبرزها غياب الإرادة السياسية الحقيقية، وعدم تنفيذ الترتيبات الأمنية، وتعثر تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، فضلاً عن التأجيل المستمر للانتخابات المنتظرة.

ويعتقد اليسير أن تحركات الأمم المتحدة «تُعيد تدوير النخب السياسية ذاتها» دون فتح الطريق أمام حلول جديدة أو شخصيات بديلة، بينما «تبقى ليبيا رهينة لسطوة الجماعات المسلحة وتقاسم النفوذ تحت غطاء سياسي هش». كما حمّل جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي «جزءاً من المسؤولية» لغياب موقف إقليمي موحد قادر على الدفع باتجاه حل شامل.

وشدد اليسير على أن ليبيا بحاجة إلى «مسار واضح لتنفيذ الترتيبات الأمنية والانتخابية بإشراف دولي وعربي فعّال»، مشيراً إلى ضرورة إطلاق «مبادرة وطنية جامعة» تضم مختلف القوى السياسية منذ عام 2011، وتستند إلى المصالحة وتوحيد المؤسسات، ضمن إطار داخلي مدعوم برقابة دولية غير متدخلة.

وبذلك يبقى الحوار الأممي المقبل واقعاً بين توقعات محدودة، وتشكيك واسع، وتجارب سابقة لم تفِ بوعودها، بينما يُنتظر ما إذا كانت مخرجاته – الملزمة أو غير الملزمة – ستتمكن من إحداث اختراق في المشهد الليبي المتعثر.