تنامت فى الآونة الأخيرة مؤشرات التصعيد بين فرنسا وروسيا على خلفية الحرب فى أوكرانيا وتنامى الدور الفرنسى داخل أوروبا، سواء على المستوى العسكرى أو الأمنى، وفى ظل تبادل الاتهامات والتهديدات، يبرز سؤال يثير القلق: هل تتجه باريس وموسكو إلى صدام مباشر.

ترى باريس أن تطورات الحرب فى أوكرانيا تهدد الأمن الأوروبى بشكل مباشر، ما دفعها لمضاعفة دعمها العسكرى لكييف وزيادة انتشار قواتها فى دول البلطيق والحدود الشرقية لحلف الناتو، وفى المقابل، تصف روسيا التحركات الفرنسية بأنها “خطوات عدائية”، معتبرة أن أى وجود عسكرى فرنسى قرب حدودها يُعد تورطًا مباشرًا فى المواجهة.
كما نشرت الحكومة الفرنسية عدة توصيات لمواطنيها استعدادا لحرب محتملة مع روسيا، وحظرت وزيرة الدفاع الفرنسية، كاثرين فوتريان، فرنسا إلى الاستعداد لأى مواجهة محتملة مع روسيا، مؤكدة على ضرورة تعزيز الروح الدفاعية الوطنية باعتبارها القوة المعنوية الجماعية التى لا تستطيع أى دولة مقاومتها دونها.
ومن بين التوصيات الأساسية للدليل، يُنصح كل منزل بتحضير عدة طوارئ، تكفى ثلاثة أيام، تحتوى على: 6 لترات من الماء لكل شخص، وطعام معلب وأدوية أساسية وراديو يعمل بالبطاريات، ومصباح يدوى، بالإضافة إلى ألعاب وكتب للتسلية، وفقا لشبكة يورونيوز على نسختها الإسبانية.
وبالرغم من أنه لا يوجد حتى الآن دليل قاطع يشير إلى أن حرب شاملة كبيرة بين فرنسا وروسيا، لكن هناك عدة مؤشرات وتوترات يمكن تحليلها ، فيما يلي العوامل التي قد تؤدي لتصعيد، التحديات، والنتائج المحتملة:
أُسباب التوتر بين فرنسا وروسيا
1. الحرب في أوكرانيا
الصراع الروسي الأوكراني يعيد تشكيل الأمن الأوروبي، وفرنسا منخرطة سياسيًا وعسكريًا في دعم أوكرانيا، ما يضعها في موقع مواجهة غير مباشر مع روسيا.
2. استعدادات فرنسية
أصدرت الحكومة الفرنسية توصيات لمواطنيها استعدادًا “لحرب محتملة” مع روسيا، مثل تخزين الطعام والماء، مما يعكس قلقًا حقيقيًا على المستوى الشعبي والعسكري.
كما صرح قائد القوات المسلحة الفرنسية، فابيان ماندون، بإنه يجب قبول “خسارة أبناء” فرنسا إذا اندلعت مواجهة مع موسكو، وهو تصريح يعكس إدراك الخطر والتضحيات المحتملة.
3. تحذير عسكري من روسيا
ومن الجانب الروسي، هناك تحذيرات واضحة: روسيا تقول إن أي عدوان من حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي سيُقابل بـ “رد حاسم”.
وهذا الكلام يوحي بأن روسيا ترى أن تصاعد القوة الأوروبية، خاصة من دول مثل فرنسا، قد يهدد مصالحها، وإنها مستعدة للرد بقوة إذا لزم الأمر.
4. مخاطر عسكرية مستقبلية
وقال رئيس الأركان الفرنسي إن روسيا “ستشكل تهديدًا حقيقيًا قبل عام 2030” بسبب إعادة تسليحها.
ويعد هذا التصريح مهم جدًا لأنه يشير إلى أن باريس تنظر إلى موسكو ليس فقط كتهديد قريب، بل على المدى المتوسط أيضًا.
بعض السيناريوهات التي يمكن أن تؤدي إلى صراع، مع توضيح كيف يمكن أن يحدث ذلك وما نتائجه المحتملة:
1. تصعيد من خلال أوكرانيا (غير مباشر)
كيفية حدوثه: فرنسا قد ترفع دعمها العسكري أو ترسل قوات أوروبية (أو “قوة تطمين” على حد بعض المقترحات) إلى أوكرانيا.
النتائج المحتملة: روسيا قد تعتبر هذا تهديدًا مباشرًا وترد بإجراءات عقابية أو عسكرية، ربما هجمات صاروخية أو ضغوط دبلوماسية واقتصادية.
2. حرب إلكترونية / هجمات سيبرانية
روسيا تملك قدرات كبيرة في الحرب السيبرانية، ويمكن أن تستهدف بنى تحتية فرنسية (طاقة، اتصالات) في حال تصاعد التوتر. هذا النوع من الصراع أقل تكلفة لكنه ذو تأثير كبير.
فرنسا قد ترد بإجراءات متبادلة أو تحاول التشويش على القدرات الروسية.
3. صراع تقليدي محدود
من الناحية النظرية، يمكن أن يكون هناك نزاع عسكري محدود، مثل ضربات جوية، تبادل إسقاط مقاتلات، أو مناوشات في مجال جوي؛ خاصة إذا اعتُبرت بعض التحركات من الطرف الآخر استفزازية جدًا.
لكن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر: حرب تقليدية بين قوتين نوويتين كبيرة جدًا جدًا من الناحية الاستراتيجية، ومن غير المرجح (حتى الآن) أن تتجه فرنسا وروسيا مباشرة إلى “حرب شاملة” دون تدخل دول أخرى.
4. رد نووي أو شبه نووي
هذا السيناريو هو الأكثر خطورة، لكن أيضًا أقل احتمالًا ضمن السياق الحالي، لأن استخدام الأسلحة النووية يعني تدمير مُتبادل وخسائر هائلة.
لا توجد دلائل حالية قوية على أن فرنسا تخطط لاستخدام نووي ضد روسيا أو العكس، لكن في التحليلات الجيوسياسية دائمًا يُعتبر هذا “الخيار الأخير” في حالة تصعيد كبير جدًا.
5. توازن إرغام / ردع طويل الأمد
بدلاً من حرب مباشرة، قد نشهد “توازن رعب” جديد، حيث تكون العلاقات بين روسيا ودول أوروبا (بما في ذلك فرنسا) موجهة عبر الردع والتهديد المستمر، وليس عبر قتال مباشر.
في هذا السيناريو، فرنسا تعزز قدراتها العسكرية والدفاعية، وروسيا تفعل نفس الشيء، لكنهم يتجنبون المواجهة الكبرى بفضل الردع والاعتبارات الاستراتيجية.
القدرات النووية: كل من فرنسا وروسيا يمكن أن تجلب تداعيات كارثية إذا تم استخدام الأسلحة النووية؛ هذا يلعب دورًا كبيرًا في ردع الصراع الكبير.
التحالفات الدولية: فرنسا هي عضو في الناتو، وبالتالي أي صراع مع روسيا لن يكون مجرد نزاع ثنائي؛ سيكون له بعد تحالفي.
التكلفة الاقتصادية: حرب بين قوتين كبيرتين اقتصاديًا وعسكريًا ستكون مكلفة جدًا، وكل طرف سيدفع ثمنًا باهظًا.
الرأي العام الأوروبي: أي حرب مباشرة على الأراضي الأوروبية تثير مخاطر سياسية كبيرة داخل الدول الأوروبية، خاصة مع الشعور الحساس تجاه نزاعات عسكرية كبيرة بعد الحرب في أوكرانيا.
الدبلوماسية والردع: الردع النووي والدبلوماسي قد يمنع التصعيد الكامل، خاصة إذا أدرك الطرفان أن المكاسب المحدودة لا تساوي الخسائر المحتملة.