في لحظة سياسيّة استثنائية، تتجه الأنظار اليوم نحو البيت الأبيض حيث يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني في أول مواجهة مباشرة بين الرجلين، في اجتماع يصفه مراقبون بأنّه “أخطر اختبار مبكر” لمستقبل المدينة الأكبر في الولايات المتحدة، و“معركة قوة” بين رئيس جمهورية يتمتع بنفوذ فيدرالي هائل، وعمدة تقدمي صاعد أحدث فوزُه المفاجئ زلزالًا داخل الحزب الديمقراطي.
ورغم أن اللقاء يأتي ضمن مسار بروتوكولي طبيعي بعد انتخاب أي عمدة جديد لنيويورك، إلا أنّ خلفيات المواجهة والاشتباك السياسي المتواصل بين الرجلين، حوّلت الاجتماع إلى حدث سياسي وطني يشغل الإعلام والأوساط الحزبية على حدّ سواء.

كان صعود زهران ممداني إلى ساحة نيويورك السياسية حدثًا غير تقليدي، فهو تقدمي اشتراكي من أصول أوغندية هندية، ويمثل تيارًا ديمقراطيًا يساريًا يعاديه ترامب بشكل صريح. كما أن خبرته السياسية محدودة نسبيًا، لكن دعم الشباب التقدميين والجاليات المهاجرة، خاصة من جنوب آسيا، منح حملته قوة غير مسبوقة.
ووفقًا لمجلة “بوليتيكو”، جاء فوز ممداني كأحد أبرز مفاجآت عام 2025، خصوصًا أنه انتزع المنصب من مرشحين مخضرمين، وتقدم على وجوه ديمقراطية بارزة، ما جعل فوزه رمزًا لصعود تيار يساري جديد داخل المدن الأمريكية الكبرى.
ورغم ذلك، يدخل ممداني المعترك السياسي محاطًا بشكوك كبيرة:
قطاع الأعمال يخشى توجهاته التقدمية.
الديمقراطيون الوسطيون غير مقتنعين بأسلوبه التصادمي.
الجمهوريون يرون فيه تهديدًا مباشرًا لسياسات الأمن والهجرة.
في المقابل، يدخل ترامب الاجتماع من موقع “السيطرة المطلقة”، كما تصفه التقارير. فرئيس الولايات المتحدة يملك أدوات فيدرالية حاسمة تمكنه من الضغط على أي مدينة، وقد استخدم هذه الأدوات سابقًا ضد مدن ديمقراطية مثل شيكاغو ولوس أنجلوس.
لكن نيويورك — مسقط رأس ترامب ورمز النفوذ الاقتصادي الأمريكي — تبقى حالة مختلفة تمامًا.
وطبقًا لـ“بوليتيكو”، ترامب لا يكتفي بالتلويح بخفض المساعدات الفيدرالية، بل هدد أيضًا بـ:
إرسال الحرس الوطني إلى نيويورك
زيادة عمليات الترحيل داخل المدينة
فتح تحقيقات تتعلق بجنسية ممداني ومحاولة نزعها (وهي فكرة غير مسبوقة أثارت استنكار الديمقراطيين).
وبينما يرى الجمهوريون أن صعود ممداني “خطر أمني وسياسي”، يعتبر الديمقراطيون تلك الضغوط محاولة سياسية للتأثير على سياسات المدينة عبر الضغط الفيدرالي.
تواجه نيويورك اليوم تحديات معقدة:
أزمة إسكان حادة
ارتفاع تكلفة المعيشة
زيادة معدلات الجريمة في بعض الأحياء
بنية تحتية تحتاج إلى تمويل ضخم
ويخشى مسؤولون في الولاية أن يؤدي الصدام المبكر بين ممداني وترامب إلى تعطل مشاريع كبرى مثل:
نفق “غايتواي”
خط المترو الجديد في الجادة الثانية
تطوير محطة “بن ستايشن”
وهي مشاريع تحتاج دعماً فيدراليًا مباشراً لا يمكن لنيويورك تحمل فقدانه.
وقبل أيام من اللقاء، بدأ ترامب في تصعيد خطابه السياسي تجاه ممداني. فعبر منصة “تروث سوشيال”، وصفه بـ"الشيوعي"، واستخدم اسمه الأوسط بطريقة تهكمية، في محاولة واضحة لتأطيره سياسيًا أمام الجمهوريين والوسط الأمريكي المحافظ.
في المقابل، كان ممداني أكثر هدوءًا في تصريحاته، مؤكدًا أنه “مهتم بالحوار، ومستعد للتعاون في كل ما يخدم سكان نيويورك”، لكنه احتفظ بموقفه الناقد لسياسات ترامب، والتي وصف بعضها سابقًا بأنها “فاشية”.
سيناريو صدامي محتمل: قضية نتنياهو
بحسب مصادر مقربة من الإدارة الأمريكية، قد يذهب ترامب أبعد من ذلك في إحراج ممداني. إذ يتردد في واشنطن أن ترامب قد:
يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة نيويورك
وذلك ردًا على إعلان سابق لممداني بأنه سيصدر “مذكرة توقيف رمزية” بحق نتنياهو احتجاجًا على سياسات إسرائيل.
ووفق تحليل سياسيين أمريكيين، فإن ممداني — أيًا كان موقفه — سيخسر سياسيًا:
إذا تراجع، سيغضب قاعدته التقدمية.
وإذا نفذ تعهده، سيعرض المدينة لصدام مباشر مع البيت الأبيض.
إن إدارة مدينة ضخمة كـنيويورك — تضم 300 ألف موظف حكومي — ليست مهمة سهلة، خصوصًا لمن يصل إلى المنصب بدعم تيار سياسي يسعى لإحداث تغييرات جذرية في ملفات الأمن، والضرائب، والسياسات الاجتماعية، والشرطة.
ويعتبر مراقبون أن لقاء البيت الأبيض سيكون بداية تشكيل صورة ممداني كقائد:
هل يستطيع التفاوض بذكاء مع إدارة فيدرالية معادية؟
هل سيوازن بين إرضاء قاعدته التقدمية والحفاظ على مصالح المدينة؟
هل سيظهر كخصم شرس لترامب، أم كقائد براغماتي أميل للتعاون؟
من الناحية السياسية، يريد ترامب من اللقاء إرسال رسالة مزدوجة:
أولًا: أنه لا يزال صاحب النفوذ الأقوى في نيويورك رغم خسارته فيها انتخابيًا ثلاث مرات متتالية.
ثانيًا: أنه قادر على فرض حدود القوة على عمدة المدينة مهما كان توجهه السياسي.
وبحسب مصادر في البيت الأبيض، فإن ترامب ينظر إلى ممداني باعتباره “رمز اليسار الراديكالي” الذي يريد الرئيس الجمهوري الحد من تأثيره على مستوى الولايات المتحدة.
تشير التقارير الأمريكية إلى تدخلات مباشرة وغير مسبوقة من ترامب خلال انتخابات نيويورك:
حاول إضعاف المرشح الجمهوري كيرتس سليسوا لأنه لم يثق بفرصه.
دعم بشدة المرشح المستقل أندرو كومو لإسقاط ممداني.
حاول إقناع العمدة السابق إريك آدامز بعدم الترشح عبر تقديم وظائف فيدرالية له.
ضغط على مكتب التحقيقات لوقف قضايا متعلقة بآدامز لصالح استراتيجياته الانتخابية.
ورغم هذا التدخل الضخم، لم ينجح ترامب في منع صعود ممداني.
يصف خبراء السياسة اللقاء بأنه “جولة أولى” في صراع طويل بين رجلين يمثلان رؤيتين متناقضتين لأمريكا:
ترامب: رجل أعمال تقليدي، ابن الثمانينيات، مؤمن بالقوة الصارمة وبالاقتصاد الشعبوي.
ممداني: شاب مهاجر، يرى أن الوقت حان لتغيير جذري في عدالة توزيع الموارد وتكلفة المعيشة.
وما يجمعهما رغم اختلافهما:
أن ملف تكلفة المعيشة أصبح محور السياسة الأمريكية، وأداة انتخابية مركزية لكل منهما.
يؤدي ممداني اليمين الدستورية في الأول من يناير، ليصبح:
أول مسلم يتولى رئاسة بلدية نيويورك
أول شخص من جنوب آسيا يصل إلى هذا المنصب
أول مرشح تقدمي بهذا الحجم يكسر سيطرة التيار الوسطي داخل الحزب الديمقراطي في المدينة
وهذه الرمزية تجعل الصدام السياسي حوله أكثر سخونة.
بين ضغوط فيدرالية غير مسبوقة من ترامب، وطموحات تقدمية واسعة من ممداني، يقف مستقبل نيويورك عند مفترق طرق حساس.
وحتى قبل عقد الاجتماع، يرى محللون أن:
ترامب سيحاول فرض قواعد اللعبة
ممداني سيحاول رسم حدود استقلاليته
المدينة ستكون الخاسر الأكبر إذا تصاعد الخلاف
والولايات المتحدة قد تشهد شرخًا أكبر بين اليسار واليمين مع اقتراب انتخابات 2028