تشهد الضفة الغربية المحتلة موجة متصاعدة من هجمات المستوطنين اليهود، وسط اتهامات للحكومة الإسرائيلية بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات فعّالة لردع هذا العنف، بحسب ما نقلته صحيفة واشنطن بوست. وقد حذّر مسؤولون إسرائيليون من أن الدولة "فقدت السيطرة" على هذه الاعتداءات، في ظل قلق حكومي متزايد من خطورة السلوك غير المنضبط للمستوطنين، وتنامي الغضب الدولي تجاههم.
شهدت الأيام الماضية سلسلة من الهجمات نفذتها مجموعات من المستوطنين الملثمين، الذين اقتحموا قرى فلسطينية واعتدوا على السكان المحليين. كما قاموا بحرق مسجد، والاعتداء على قوات الأمن الإسرائيلية نفسها خلال محاولتها هدم بؤرة استيطانية غير قانونية قرب الخليل، وهي منطقة معروفة بالتوتر المستمر.
هذه الأحداث كشفت عن فجوة كبيرة بين المستوطنين الأكثر تطرفًا وبين المؤسسة الأمنية التقليدية في إسرائيل، التي ترى في العنف المتزايد تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة وتقويضًا لهيبة الدولة. كما أكدت الصحيفة أن الحكومة سمحت للمستوطنين بالعمل دون عقاب في العديد من المناطق، رغم خطورة الاعتداءات واتساع نطاقها.
في موازاة تصاعد هجمات المستوطنين، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحام البلدات والقرى الفلسطينية. وقالت مراسلة قناة القاهرة الإخبارية في رام الله، ولاء السلامين، إن قوات الاحتلال استهدفت خلال الساعات الأخيرة المخيمات الواقعة شمال الضفة الغربية، واعتقلت ما لا يقل عن 56 فلسطينيًا، بينهم سيدتان في بلدة بيت أمر شمال الخليل.
كما أوضحت أن الاقتحامات امتدت إلى مدينة نابلس، حيث أسفرت المواجهات عن أربع إصابات، من بينها إصابة طفل في الخاصرة، وفقًا لفرق الهلال الأحمر الفلسطيني. وتشهد المدينة حاليًا مداهمات واسعة للمحال التجارية والمناطق السكنية.
أدان مسؤولون كبار في الحكومة الإسرائيلية، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوج ووزير الدفاع إسرائيل كاتس، موجة العنف، واصفين إياها بأنها "مروعة وخطيرة" وتتجاوز "الخطوط الحمراء". وأعلن كاتس عن تخصيص موارد إضافية لبرنامج وزارة الدفاع الهادف إلى الحد من الهجمات عن طريق الحوار، بعد أن ألغى العام الماضي الاحتجاز الإداري بحق المستوطنين المتهمين بالعنف.
ومع ذلك، انتقد أعضاء حاليون وسابقون في مؤسسات الدولة السياسات الحكومية الحالية، معتبرين أنها ساهمت في تشجيع العنف أو التغاضي عنه. وقال الجنرال المتقاعد إسرائيل زيف إن "إسرائيل تجني ما زرعته"، مشيرًا إلى أن سياسة الضغط على الفلسطينيين وإعطاء "الإرهاب اليهودي" حرية التصرف أدت إلى الوضع الحالي. وأضاف أن الصمت الحكومي وغياب الإجراءات الجدية جعلا الدولة تفقد السيطرة على الأحداث.
تواصل حكومة نتنياهو تقديم دعم واسع لمشاريع توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، واتخذت خطوات لضمان بقاء السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المستولى عليها. ووفقًا لتقارير حقوقية، فقد تم اعتماد مشاريع إسكان وبنية تحتية للمستوطنات بمعدلات غير مسبوقة، بالتوازي مع زيادة كبيرة في عمليات هدم المنازل الفلسطينية، وتراجع واضح في جدية التحقيقات المتعلقة باعتداءات المستوطنين.
كما أشارت التقارير إلى دور المستوطنين في تهجير الفلسطينيين من عدد من القرى، في إطار مساعٍ لإفشال أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل.
في مقابلة مع قناة 14 الإسرائيلية، أقر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بوجود عنف من قبل المستوطنين، لكنه اعتبر أن هذه الهجمات تستغل "لتشويه سمعة" إسرائيل والحركة الاستيطانية. وأكد رفضه لاستخدام العنف أو رمي الحجارة على الجنود، قائلاً إن هذه الأفعال "لا تُبنى بها أرض إسرائيل".
لكن سموتريتش كشف في الوقت نفسه عن سياسة واضحة تستهدف إفشال مشروع الدولة الفلسطينية، قائلاً: "نحن نقضي على فكرة الدولة الفلسطينية يومًا بعد يوم، ساعة بعد ساعة، من خلال أكثر من مئة مزرعة تمتد على مساحة تزيد عن 700 ألف دونم". وقد اعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تمثل اعترافًا صريحًا بالاستراتيجية الاستيطانية الهادفة إلى تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الضفة الغربية.
تجمع التقارير الميدانية والشهادات الرسمية على أن الأوضاع في الضفة الغربية تتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل استمرار اعتداءات المستوطنين، وتوسع الاقتحامات الإسرائيلية، وغياب الردع الحكومي الفعّال. ويرى خبراء أن استمرار هذه الديناميكيات قد يؤدي إلى انفجار أمني واسع، خصوصًا مع تنامي الغضب الدولي وانتقاد المنظمات الحقوقية للانتهاكات المتزايدة بحق الفلسطينيين.
في ظل هذه التطورات، تبقى الضفة الغربية واحدة من أكثر المناطق اشتعالًا، وسط غياب أفق سياسي يحد من الصراع أو يضع حدًا لدوامة العنف المتصاعدة.