دراسات وأبحاث

اليوم الوطني العُماني… مسيرة دولة حديثة ورؤية تتقدم نحو 2040

الخميس 20 نوفمبر 2025 - 03:24 م
غاده عماد
الأمصار

تحتفل سلطنة عُمان في الثامن عشر من نوفمبر من كل عام باليوم الوطني، وهي مناسبة راسخة في الوجدان العُماني، تستحضر تاريخاً يمتد لآلاف السنين، وتُظهر مسيرة البناء الحديثة التي انطلقت مع السلطان الراحل قابوس بن سعيد، ويواصل تعزيزها السلطان هيثم بن طارق عبر رؤية مستقبلية شاملة تمزج بين التطوير الاقتصادي والمحافظة على الهوية الوطنية.

 

جذور تاريخية وهوية ضاربة في العمق

 

ينتمي تاريخ عُمان إلى أقدم الحضارات التي نشأت على سواحل بحر العرب وخليج عُمان، حيث مثلت عبر القرون مركزاً عالمياً للتجارة البحرية، وبرز دورها في تجارة اللبان والنحاس وصناعة السفن. 

كما امتد تأثيرها البحري إلى شرق أفريقيا والهند، مما جعلها قوة اقتصادية وحضارية مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي.


ورغم التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة عبر العصور، حافظت عُمان على استقلالها السياسي وكيانها الموحد، وهو ما أسهم في ترسيخ الشعور الوطني وتعزيز انتماء الشعب لبلاده عبر التاريخ.

 

نوفمبر… مناسبة تتجدد فيها الذاكرة الوطنية

 

ارتبط اليوم الوطني العُماني تاريخياً بيوم ميلاد السلطان قابوس بن سعيد، الذي تولى الحكم عام 1970 وأطلق مسيرة "النهضة الحديثة". ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا اليوم احتفالاً وطنياً شاملاً يجمع بين اعتزاز العُمانيين بماضيهم وتقديرهم للجهود التي بُذلت لبناء دولة معاصرة.


وفي عهد السلطان هيثم بن طارق، اكتسب اليوم الوطني بعداً إضافياً يقوم على مواصلة مسيرة التنمية، وتطوير مؤسسات الدولة، وتعزيز الدور الإقليمي والدولي للسلطنة، مع التمسك بثوابتها السياسية ونهجها المتوازن.

 

نهضة تنموية من الماضي إلى رؤية المستقبل

 

شهدت السلطنة منذ سبعينيات القرن الماضي تحولاً كبيراً شمل مختلف القطاعات. فقد ارتفع مستوى التعليم وتوسعت البنية التحتية، وتطورت خدمات الصحة والنقل والطاقة، ما وضع الأساس لدولة حديثة قادرة على مواكبة التطورات العالمية.


ومع إطلاق رؤية عُمان 2040، تتجه الدولة نحو تنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات، وتطوير قطاعات واعدة مثل الصناعة واللوجستيات والسياحة والتقنيات الحديثة.

 

 وتولي الحكومة اهتماماً كبيراً بتهيئة بيئة أعمال تنافسية وتطبيق سياسات مالية متوازنة، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة.


كما تُعد برامج تمكين الشباب وتأهيلهم لسوق العمل جزءاً أساسياً من الرؤية، لضمان بناء جيل قادر على قيادة المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

 

احتفالات وطنية تعبّر عن روح الانتماء

 

تنعكس الفرحة باليوم الوطني في مختلف الولايات عبر فعاليات متنوعة تجمع بين التراث والحداثة.

 وتشهد الشوارع تزيينات بالأعلام والإضاءات المبهجة، بينما تقيم الفرق العسكرية عروضاً تحيي قيم الانضباط والفخر الوطني.


وتشارك المدارس والجامعات في تنظيم أنشطة طلابية تحيي تاريخ السلطنة وتعرّف الأجيال الجديدة بإنجازاتها. كما تحتضن الساحات العامة عروضاً للفنون التقليدية مثل الرزحة والعازي، إلى جانب عروض الهجن والخيل العربي، في مشهد يُظهر ارتباط العُمانيين العميق بتراثهم.
وفي هذه المناسبة تبرز المؤسسات الحكومية والخاصة إنجازاتها على مدار العام، وتُطلق مبادرات لخدمة المجتمع وتعزيز الوعي الوطني، مما يعكس روح العمل المشترك بين الدولة والمواطنين.

 

الدبلوماسية العُمانية… منهج ثابت وسياسة هادئة

 

تميزت سلطنة عُمان عبر عقود بسياسة خارجية تقوم على الحوار والوساطة والابتعاد عن التوترات. وقد مكّنها هذا النهج من لعب دور محوري في حل العديد من الملفات الإقليمية المعقدة، الأمر الذي أكسبها احتراماً واسعاً على المستوى الدولي.


ولا تزال السلطنة متمسكة بمبادئها القائمة على تعزيز السلام، وتحقيق التوازن في علاقاتها، والعمل كجسر للتواصل بين الأطراف المختلفة. كما تشارك بفعالية في قضايا الأمن البحري والطاقة واستقرار المنطقة، مما يعزز مكانتها كفاعل دبلوماسي يعتمد عليه.

 

المجتمع العُماني… تماسك وقيم راسخة

 

يحافظ المجتمع العُماني على هويته الأصيلة وقيمه العربية والإسلامية التي تقوم على الاعتدال والتسامح واحترام التعددية. وتنعكس هذه القيم في السياسات الرسمية التي تشجع على الانسجام المجتمعي وتدعم خصوصية الثقافة العُمانية.
ويمثل الشباب ما يزيد على نصف سكان السلطنة، وهو ما يمنح مسيرة التنمية قوة دفع إضافية. وقد قامت الدولة بتعزيز برامج التدريب والتأهيل، وإطلاق مبادرات تدعم ريادة الأعمال وتشجع الإبداع والابتكار، لضمان مشاركة فعّالة للشباب في بناء المستقبل.

 

مناسبة تجدد الفخر وتؤكد طريق المستقبل

 

يأتي اليوم الوطني العُماني ليجدد فخر الشعب بدولته ويؤكد التمسك بمسار النهضة المتجددة. فهو مناسبة تستحضر التاريخ العريق، وتحتفي بالإنجازات الراهنة، وتفتح الطريق نحو مستقبل واعد يقوم على التنمية والاستقرار.
وتبرز من خلاله روح التعاون بين القيادة والشعب، تلك الروح التي جعلت التجربة العُمانية نموذجاً في التوازن والاعتدال والعمل المستمر من أجل رفعة الوطن واستدامة تطوره.