كأن العالم يقف على حافة لحظة فارقة، لحظة قد تُعيد رسم حدود الصراع الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فبعد سنوات من الدم والخراب والاشتباك المفتوح بين «موسكو وكييف»، خرجت إدارة الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، إلى العلن بخطة وُصفت بأنها «الأكثر شمولًا وطموحًا»، تضم (28) بندًا يُقال إنها قادرة «إنّ كُتب لها النجاح» على إشعال شرارة نهاية الحرب التي أنهكت الجميع.
هذه الوثيقة، التي ظلّت طيّ الكتمان لشهور، لا تُقدّم مجرد مقترحات، بل تضع تصورًا عميقًا لمسار سياسي وأمني جديد، قد يُعيد تشكيل ميزان القوى ويُغيّر قواعد اللعبة التي حكمت «الميدان الأوكراني» منذ عام 2022. وبين البنود التي تتردّد همسًا في أروقة السياسة العالمية، يُبرز سؤال واحد: «هل تكون هذه الخطة بداية النهاية… أم فصلًا جديدًا من التعقيد؟»
وفي هذا الصدد، وافق الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، اليوم الخميس، على خطة سلام بين «روسيا وأوكرانيا» مُكونة من (28) بندًا، حسبما أفادت شبكة «NBC NEWS» نقلًا عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية.
وقال المسؤول الأمريكي لـ«NBC NEWS»: إنَّ الخطة ركزت على منح الجانبين ضمانات أمنية لضمان سلام دائم، وطورها مسؤولون كبار في الإدارة خلال الأسابيع الماضية، بالتشاور مع المبعوث الروسي، «كيريل دميترييف»، ومسؤولين أوكرانيين، كما شارك في صياغتها نائب الرئيس الأمريكي، «جي دي فانس»، ووزير الخارجية، «ماركو روبيو»، و«ستيف ويتكوف»، ومستشار ترامب، وصهره «جاريد كوشنر».
وفي هذا الإطار، أكّد وزير الخارجية الأمريكي، «ماركو روبيو»، أن إنهاء الحرب المُستمرة في أوكرانيا يتطلب «تبادلًا واسعًا للأفكار الجادة والواقعية بين الأطراف المعنية»، مُضيفًا أنَّ تحقيق سلام دائم في أوكرانيا لن يكون مُمكنًا إلَّا إذا «وافق الطرفان على تنازلات ضرورية وإن كانت صعبة».
وتُواصل «إدارة ترامب» جهودها لإنهاء الصراع، حيث يقود المبعوث الخاص، «ستيف ويتكوف»، خطة سلام منقحة تحتوي على بنود يُعتقد أن «أوكرانيا قد تُعارضها».
وفي تطور لافت، بدأ كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين مُهمة دبلوماسية «غير عادية» في العاصمة الأوكرانية، وفقًا لصحيفة «واشنطن بوست» نقلًا عن مصادر مطلعة.
ووصل وزير الجيش الأمريكي، «دان دريسكول»، الذي يتولى قيادة الوفد، إلى كييف، أمس، ويُعد «دريسكول» أرفع مسؤول في البنتاجون يزور أوكرانيا منذ عودة الرئيس «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض هذا العام.
وجاء وصول الوفد بعد اجتماع «سري» عُقد نهاية الأسبوع الماضي في ميامي بين المبعوث «ويتكوف»، وكبار مستشاري زعيم نظام كييف، «فولوديمير زيلينسكي»، ونقلت مصادر أن الاجتماع «ناقش مسار المفاوضات».
مع ذلك، يبدو أن التقدم المُحرز «ضئيل»، وصرّح شخص مطلع على جهود «ويتكوف» أن أحدث المقترحات الأمريكية تتضمن عدة تنازلات سيجد «زيلينسكي» صعوبة في الموافقة عليها، بما في ذلك خسارة كبيرة للأراضي، بالإضافة إلى فرض قيود صارمة على الجيش الأوكراني.
وفي الوقت ذاته، تُشير المصادر إلى أن موقف زيلينسكي «ضعيف» جرّاء فضيحة فساد كبرى تورط فيها عدد من المُقربين منه، هذا الضعف، إلى جانب الوتيرة المُرهقة للضربات العسكرية الروسية، قد يدفع الزعيم الأوكراني لـ«قبول صفقة إنهاء الحرب في ظل ضغوط أمريكية مُتزايدة».
وبحسب ما نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر مطلعة، فإن «مقترحات الولايات المتحدة لإنهاء العملية العسكرية الروسية تفترض أن أوكرانيا تتخلى عن أراضي وبعض أنواع الأسلحة».
كما قال مسؤول أمريكي مطلع لوكالة «أكسيوس»، إن «الخطة ستمنح روسيا أجزاء من شرق أوكرانيا التي لا تُسيطر عليها حاليًا، مُقابل ضمان أمني أمريكي لأوكرانيا وأوروبا ضد أي هجوم روسي في المستقبل».
ووفقًا للوكالة: «ستنظر أوكرانيا ومُؤيدوها إلى ذلك على أنه تنازل هائل لروسيا لكن وجهة نظر البيت الأبيض، وفقًا للمسؤول الأمريكي، هي أن أوكرانيا من المُرجح أن تفقد الأراضي على أي حال إذا استمرت الحرب ولذلك من مصلحة كييف التوصل إلى اتفاق الآن».
وأوضحت مصادر «رويترز»، أن المقترحات تشمل «تقليص عدد القوات المسلحة الأوكرانية» بين بنود أخرى، مع الإشارة إلى أن واشنطن تُريد من كييف «قبول الأحكام الرئيسية».
وبينما تتجه الأنظار إلى تفاصيل البنود الـ(28)، يبقى العالم مُعلّقًا بين أملٍ مُرتقب وقلقٍ مُتصاعد. فكل بند يحمل إمكانية إنهاء حربٍ أنهكت الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، وفي الوقت نفسه قد يُعيد إشعال صراعٍ أشدّ تعقيدًا. ومع دخول الخطة مرحلة الكشف العلني، باتت الكرة تتدحرج في ملعب القوى الكبرى، بين حسابات «موسكو»، وتمسّك «كييف»، ورغبة «واشنطن» في صياغة نهاية مختلفة لمشهدٍ دام أكثر مما تحمّله الجميع. المرحلة المُقبلة لن تكون سهلة، لكن المُؤكّد أن ما بعد هذه الوثيقة لن يُشبه ما قبلها. فهل ستتحوّل شرارة النهاية إلى بداية سلام… أم إلى نارٍ جديدة تُغيّر وجه أوروبا من جديد؟ الوقت فقط… هو من سيكشف الإجابة.