دراسات وأبحاث

مسار متعثر.. ما مصير مفاوضات النووي الإيراني؟

الخميس 20 نوفمبر 2025 - 12:17 م
غاده عماد
الأمصار

لا يزال ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني يدور في فلك التصريحات المتحفظة بين طهران وواشنطن، وسط تصاعد المخاوف من احتمالات العودة إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل في ظل استمرار التعثر الدبلوماسي. وقد عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من نوفمبر 2025 عن استعداد مبدئي لبحث رفع العقوبات الواسعة المفروضة على إيران، معتبرًا أن هذا الملف يشكل ورقة ضغط أمريكية مهمة يمكن استخدامها للوصول إلى اتفاق جديد. 

وفي المقابل، تبعث إيران بإشارات انفتاح مشروطة ترتبط بالحصول على ضمانات سياسية وأمنية، أبرزها عدم انخراط الولايات المتحدة في أي تصعيد إسرائيلي محتمل.

وتشير تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أن التواصل بين الجانبين يتم عبر وسطاء، في ظل انعدام الثقة منذ هجوم الولايات المتحدة على منشآت نووية إيرانية في أصفهان ونطنز وفوردو في يونيو 2025. وتحاول إيران استعادة تجربة اتفاق 2015 النووي بشروط محسّنة لا تشمل ملفات نفوذها الإقليمي أو برنامجها الصاروخي، مع السعي لضمانات تمنع واشنطن من حماية إسرائيل في أي مواجهة مقبلة. ورغم إدراك طهران صعوبة تلك الشروط، شدد المرشد علي خامنئي على أن التعاون مع الولايات المتحدة غير ممكن طالما استمرت الأخيرة في دعم إسرائيل والوجود العسكري في المنطقة.

التفاوض تحت الضغط وتصاعد المواجهة غير المباشرة بين واشنطن وطهران

وفي الإطار ذاته، يعتمد الطرفان ما يمكن تسميته “التفاوض تحت الزناد”. فالولايات المتحدة تزيد الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران لفرض اتفاق يتوافق مع متطلبات الأمن الإسرائيلي، بينما تواجه طهران تحديات داخلية وإقليمية متشابكة دفعتها نحو تعزيز الاستعدادات العسكرية وإعادة تنظيم مؤسسات الأمن القومي وتفعيل جهود مكافحة التجسس. كما واصلت إيران شن عمليات هجومية خارجية تستهدف مصالح إسرائيلية، في مقابل تحذير واشنطن من نشاط الحرس الثوري وتنامي عملياته. وتصاعدت الاتهامات بتخطيط طهران لعمليات ضد أهداف إسرائيلية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، ما يزيد هشاشة المسار التفاوضي.

حافة الهاوية ومستقبل المفاوضات النووية

تعكس التطورات الأخيرة أن إيران لا تستعد فقط لمواجهة عسكرية محتملة، بل تتعامل مع مجموعة أوسع من التهديدات التي تشمل محاولات تقويض النظام واستغلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. وتحاول طهران موازنة التشدد التفاوضي مع تجنب إشعال حرب واسعة، بينما تتمسك إدارة ترامب بالحصول على اتفاق “نهائي ودائم” ينهي القدرات النووية الإيرانية، ويأخذ في الاعتبار هواجس الحلفاء الإقليميين وفي مقدمتهم إسرائيل.

وتبرز قضية سوء الإدراك باعتبارها العامل الأكثر خطورة، إذ قد يؤدي سوء تقدير متبادل بين الأطراف إلى اندلاع تصعيد غير محسوب. فالإدارة الأمريكية تتأرجح بين ضغوط إسرائيلية ورغبة في تحقيق اختراق دبلوماسي في المنطقة دون تحمل تكلفة سياسية عالية، بينما تتبنى فصائل المحور الإيراني سياسة الانتظار الحذر، رغم التوترات التي أعقبت الحرب في لبنان وسقوط النظام السوري. وفي هذا السياق، قد يدفع انسداد مسار المفاوضات إيران إلى خطوات أكثر جرأة في مضيق هرمز أو باب المندب، الأمر الذي يمنح إسرائيل مبررات إضافية لاستئناف المواجهة.

استراتيجية التصعيد المتدرج واستعدادات إيران للمواجهة المحتملة

ويبرز خيار “التصعيد المتدرج” في الاستراتيجية الإيرانية التي لا تفضّل الضربة الاستباقية ولكنها تتعهد برد شامل في حال التعرض لهجوم. 

وتؤكد طهران أن ترسانتها الصاروخية تجاوزت مستويات ما قبل حرب يونيو 2025، مع تقديرات تشير إلى إمكانية إطلاق نحو 2000 مقذوف في حال اندلاع حرب جديدة، بما يفوق أربعة أضعاف معدلات الضربات السابقة. كما بدأ الحرس الثوري في تنفيذ إجراءات عملية، تمثلت في الاستيلاء على ناقلة نفط في 14 نوفمبر 2025، بالإضافة إلى زيادة التمويل لحزب الله اللبناني.

مستقبل الملف النووي الإيراني بين التسوية والتصعيد

وفي المحصلة، يقف الملف النووي الإيراني عند منعطف حساس، مع استمرار الخلافات حول مستوى التخصيب ورفض طهران التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الهجمات الأمريكية. وتبقى فرص التوصل إلى اتفاق مرهونة بقدرة الأطراف على التوصل إلى تسوية سياسية إقليمية أوسع، أو حدوث تحول جوهري في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وبينما تستفيد إيران مرحليًا من حالة الغموض حول مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، تتزايد احتمالات اتجاهها نحو خيار السلاح النووي إذا استمرت أجواء التصعيد. وفي المقابل، تسعى واشنطن إلى إدارة التوتر عبر الفصل بين ملفات النفوذ الإقليمي والملف النووي، وتمهيد الطريق لاتفاق جديد يضمن أمن إسرائيل ويعيد الزخم لمسار الاتفاقيات الإبراهيمية، وهو مسار لا يزال محفوفًا بالعقبات والتعقيدات.