تشهد الساحة السورية في الأسابيع الأخيرة حراكاً عسكرياً متصاعداً لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار جهود موسعة لتعزيز الوجود العسكري وترسيخ البنية اللوجستية في شمال وشرق سوريا. ويبدو أن هذا التحرك يأتي استجابة لتصاعد نشاط تنظيم داعش وخلاياه النائمة في عدد من المناطق، خصوصاً ضمن مناطق النفوذ التابعة لـقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وبحسب تقرير صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان (منظمة سورية مقرها المملكة المتحدة)، فقد كثّفت قوات التحالف من عمليات نقل الأسلحة المتطورة والأنظمة الدفاعية، إضافة إلى تعزيز حضورها الجوي والبري داخل قواعد متعددة بمحافظات الحسكة والرقة ودير الزور.

وفقاً للمصادر، شملت التعزيزات الأخيرة توريد منظومات دفاع جوي متقدمة، ورادارات حديثة، وذخائر ثقيلة، إضافة إلى توسيع البنية اللوجستية داخل قواعد مثل قاعدة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي (سوريا)، وقاعدة خراب الجير بريف رميلان (سوريا)، وقاعدة قسرك شمال الحسكة (سوريا).
وقد سجّل المرصد هبوط ثلاث طائرات شحن عسكرية أمريكية في تلك القواعد خلال النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، محملة بمعدات إلكترونية وأسلحة مضادة للطائرات المسيّرة وقطع دعم لوجستي.
كما وصلت تعزيزات برية في 12 نوفمبر، تمثلت في رتل يضم نحو 25 شاحنة تحمل صهاريج وقود وصناديق مغلقة ومعدات عسكرية متنوعة، وذلك إلى قاعدة قسرك شمال الحسكة.
التقرير أشار أيضاً إلى أن التحالف الدولي صعّد من وتيرة تدريباته المشتركة مع قوات قسد (القوة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، بهدف رفع الجاهزية القتالية وتحسين التنسيق العملياتي.
وفي 13 نوفمبر، شهدت منطقة قسرك شمال الحسكة دوي انفجارات قوية ناتجة عن تدريبات عسكرية استخدمت فيها أسلحة ثقيلة وحديثة. جاءت تلك التدريبات بعد تدريب مماثل قبل يومين، تزامن مع تحليق طائرات أمريكية مقاتلة فوق المنطقة.
كما شهدت مدينة الحسكة في 2 نوفمبر تدريبات مكثفة بـ"الذخيرة الحية" داخل معسكر الطلائع جنوب المدينة، ووصفت بأنها الأضخم منذ فترة طويلة.
إلى جانب التحركات العسكرية، نفّذت القوات المشتركة بين التحالف و"قسد" سلسلة عمليات أمنية دقيقة استهدفت خلايا تنظيم داعش في مناطق متعددة داخل مناطق الإدارة الذاتية.
في مدينة الرقة (سوريا): اعتُقل 4 عناصر من خلايا التنظيم.
في ريف دير الزور (سوريا): اعتُقل 3 أفراد من خلايا التنظيم.
في محافظة الحسكة (سوريا): نُفذت 3 عمليات أسفرت عن اعتقال قيادي بارز في داعش و3 آخرين.
كما شهد ريف دير الزور الشرقي تحركات عسكرية مكثفة، تزامنت مع تحليق طائرات مسيّرة ومروحيات أمريكية ضمن إطار عمليات تمشيط واسعة.
في 4 نوفمبر، أجرت دورية مشتركة تضم قيادات عسكرية رفيعة من التحالف وقوات قسد جولة تفقدية في خطوط التماس بين قسد وقوات الحكومة الانتقالية السورية المدعومة من دمشق، في مناطق ريف تل تمر وأبو راسين شمال الحسكة.

كما كثّفت قوات التحالف من تسيير الدوريات بين ريفي الدرباسية وأبو راسين، مع تحركات لافتة داخل قرى ريف دير الزور الشرقي وصولاً إلى الحدود السورية-العراقية.
التحركات لم تقتصر على مناطق سيطرة قوات قسد، بل امتدت أيضاً إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق.
ففي 1 نوفمبر، زارت قوات من التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف (جنوب شرق سوريا) مطار السين العسكري بمنطقة الضمير في ريف دمشق، برفقة قوات "أمن البادية" التابعة للحكومة السورية.
ووفقاً للمصادر، هدفت الجولة إلى تقييم الوضع الميداني واللوجستي للمطار، ودراسة إمكانية استخدامه ضمن عمليات التحالف في البادية السورية.
مصادر المرصد أكدت أن الولايات المتحدة تعمل حالياً على توسيع انتشارها في البادية السورية، عبر السيطرة على مطارات استراتيجية في مناطق مثل السين وتدمر وبادية السويداء، إضافة إلى قواعد جديدة خارج منطقة الـ55 المحيطة بقاعدة التنف.
وتأتي هذه التحركات ضمن سياسة أمريكية مستمرة منذ سنوات تهدف إلى:
1. تعزيز القدرات التشغيلية للقوات الأمريكية في سوريا.
2. تأمين مسارات لوجستية استراتيجية.
3. إحكام السيطرة على مناطق الطاقة مثل النفط والغاز.
4. مواجهة تنامي نشاط داعش في البادية الشرقية السورية.
التصعيد العسكري الأخير للتحالف جاء في ظل تحذيرات دولية من عودة نشاط داعش في سوريا والعراق، إذ أشار مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية سابقاً إلى أن التنظيم يستغل الفوضى الأمنية والتباينات السياسية في المنطقة لإعادة تنظيم صفوفه.


وفي سوريا، لا يزال التنظيم ينشط في جيوب متعددة خصوصاً في البادية الممتدة بين دير الزور وحمص والسويداء، وهي مناطق ذات طبيعة جغرافية معقدة تسمح لعناصره بالتحرك وتنفيذ هجمات خاطفة.
المشهد الراهن يعكس تحولاً مهماً في الاستراتيجية الأمريكية داخل سوريا، حيث يبدو أن واشنطن تتجه نحو:
تعزيز وجود طويل الأمد وليس مجرد انتشار عسكري مؤقت.
إعادة ترتيب خارطة انتشار قواعدها ومطاراتها لضمان جاهزية عالية.
التعاون الوثيق مع قوات قسد التي تعد الشريك المحلي الأكثر اعتماداً من جانب الولايات المتحدة.
التدخل في مناطق سيطرة الحكومة السورية عند الحاجة، كما حدث في زيارات مطار السين وتدمر.

كما يتقاطع هذا التحرك مع رسائل سياسية وعسكرية توجهها واشنطن لإيران وروسيا في سوريا، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة.
تؤكد سلسلة التطورات الأخيرة أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يمضي نحو ترسيخ وجوده العسكري في سوريا بصورة أكثر عمقاً وشمولاً.
وبينما يحاول تنظيم داعش إعادة تفعيل خلاياه، تبدو واشنطن مصممة على منع أي فراغ أمني قد تستغله التنظيمات المتطرفة، إلى جانب إعادة رسم ملامح النفوذ العسكري في البادية السورية والمناطق الحدودية مع العراق.
ومع استمرار تعزيز القواعد وتكثيف الدوريات والعمليات الأمنية، فإن الشهور المقبلة قد تشهد تحولاً أكبر في حجم وانتشار القوات الأمريكية في سوريا، بما يعيد تشكيل موازين القوى في شمال وشرق البلاد.