تشهد الإدارة الأميركية خلال الأيام الأخيرة حالة من الحراك المكثف خلف الكواليس، بهدف احتواء توجهات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب نحو استئناف الاختبارات النووية التفجيرية، في خطوة تُعدّ الأخطر في تاريخ السياسة النووية للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لشبكة CNN، فإن كبار مسؤولي الطاقة والأمن النووي يستعدون للاجتماع مع البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي خلال الأيام المقبلة، في محاولة مباشرة لإقناع الرئيس بالتراجع عن خطته، التي أثارت قلقاً واسعاً داخل المؤسسات الأمنية والعلمية على حد سواء.
تؤكد المصادر أن وزير الطاقة كريس رايت ومدير الإدارة الوطنية للأمن النووي براندون إم. ويليامز، إلى جانب عدد من كبار العلماء في المختبرات الوطنية الأميركية، سيبلغون البيت الأبيض بأن خطة تفجير رؤوس نووية بهدف الاختبار، التي اقترحها ترمب الشهر الماضي، غير قابلة للتنفيذ تقنياً ولوجستياً في الوقت الراهن.
ويأتي التحرك الرسمي بعد أسابيع من منشور لترامب على منصة "تروث سوشال" في أكتوبر، دعا فيه علناً إلى بدء اختبارات نووية جديدة، مبرراً دعوته بأن دولاً أخرى -لم يسمّها- تمضي قدماً في برامج اختبار مماثلة.
ورغم الاعتراضات العلمية والقانونية، ما يزال الرئيس يحتفظ – وفق الدستور – بالسلطة الكاملة لإصدار أوامر مباشرة لإجراء الاختبارات، وهو ما يدفع المؤسسات المختصة للتحرك بسرعة في محاولة لتقديم بدائل عملية يمكن أن تُقنعه بالتراجع.
وبحسب مصادر من داخل الإدارة الوطنية للأمن النووي، فإن الفريق المكلّف سيعرض على البيت الأبيض خطة بديلة تتيح إجراء اختبارات غير تفجيرية، تقوم على محاكاة متقدمة باستخدام الحواسيب العملاقة وتجارب الطيران لرؤوس غير متفجرة.
أثارت تصريحات الرئيس الأولى حالة "ارتباك غير مسبوقة"، وفق ما نقلته المصادر، إذ لم يتوقع مسؤولو الأمن النووي أن تكون هناك نية حقيقية للعودة إلى التجارب التفجيرية تحت الأرض.
ويوضح وزير الطاقة في تصريحات إعلامية أن الاختبارات التي تجريها الولايات المتحدة عادةً هي اختبارات أنظمة، تُعنى بفحص كفاءة الصواريخ ومنصات الإطلاق، وليس تفجير قنابل نووية كما كان يحدث خلال الثمانينات والتسعينات.
ومع ذلك، وعندما طُرح السؤال على مسؤول كبير في البيت الأبيض حول المقصود من تصريحات الرئيس، أجاب بأن ترمب كان "غامضاً عن عمد"، مشيراً إلى أن عدداً من قادة العالم أثاروا الأمر معه خلال جولته الآسيوية الأخيرة.
رغم تصريحات الرئيس، تصر الإدارة الوطنية للأمن النووي على أن السياسة الرسمية لم تتغير، وأنه "لا توجد أي استعدادات لإجراء اختبارات نووية تفجيرية".
وتشير مذكرة أعدتها الإدارة مؤخراً إلى أن العودة إلى الاختبارات تحت الأرض تتطلب ما لا يقل عن 36 شهراً للحصول على نتائج علمية ذات قيمة، بالإضافة إلى عقبات قانونية محتملة قد تعرقل العملية لسنوات.
وتلفت المذكرة أيضاً إلى أن موقع نيفادا – وهو الموقع الوحيد المخصص تاريخياً للاختبارات النووية – يحتاج موافقة الحكومة المحلية قبل تنفيذ أي نشاط تفجيري، وهو أمر غير مضمون في ظل الرفض الشعبي والسياسي هناك.
لم تقف التداعيات عند حدود الداخل الأميركي، إذ أثار إعلان ترمب المحتمل غضب روسيا والصين، اللتين اعتبرتا أن أي خطوة أميركية لاستئناف الاختبارات ستكون إخلالاً بالتوازن الاستراتيجي العالمي.
ففي موسكو، أفادت وسائل إعلام محلية بأن الرئيس فلاديمير بوتين أمر، خلال اجتماع لمجلس الأمن الروسي الأسبوع الماضي، بإعداد مقترحات لبدء أعمال تحضيرية قد تقود لاحقاً إلى اختبارات نووية روسية.
ولاحقاً، أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن "العمل جارٍ" لتنفيذ توجيهات الرئيس، بينما أوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن موسكو "لم تتلق أي توضيحات" من واشنطن حتى الآن.
أما الصين، فقد طالبت الولايات المتحدة بالالتزام “بجدية” بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، داعية واشنطن إلى اتخاذ خطوات ملموسة للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي الدولي.
يرى الخبراء أن تنفيذ الاختبارات النووية، في حال إصرار الرئيس، سيواجه شبكة معقدة من التحديات:
ويؤكد أحد المسؤولين: "إذا كانت الفكرة فقط إرسال رسالة سياسية عبر تفجير محدود تحت الأرض، فهذا ممكن، لكنه لن يقدم أي قيمة علمية".
يبدو أن الأيام المقبلة ستحدد المسار الفعلي للسياسة النووية الأميركية، بين توجه رئاسي يدفع نحو اختبار حقيقي، ومؤسسات علمية وأمنية تحاول كبح هذا التوجه عبر حلول بديلة أقل خطراً.
وفي ظل التوتر الدولي المتصاعد، تبقى أي خطوة أميركية نحو اختبارات نووية بمثابة شرارة قد تعيد تشكيل ميزان القوى العالمي، وربما تفتح الباب أمام سباق تسلّح جديد لا ترغب أي دولة في خوضه.