شهدت مدينة قابس الساحلية جنوب شرق تونس، اليوم الخميس، مظاهرة حاشدة شارك فيها المئات من السكان، دعمًا للدعوى القضائية التي تطالب بإغلاق مجمع الصناعات الكيميائية بالمدينة، في ظل اتهامات متزايدة للمؤسسة بالتسبب في تلوث واسع النطاق وارتفاع نسب الأمراض البيئية بين السكان.
وجاءت الاحتجاجات بالتزامن مع انعقاد جلسة قضائية للنظر في الدعوى التي رفعها عدد من المحامين والناشطين البيئيين للمطالبة بوقف نشاط المجمع وتفكيك وحداته الصناعية التي تصنع الأسمدة من مادة الفوسفات، وسط انتشار واسع لقوات الأمن حول المحكمة الابتدائية بقابس.
السكان: «مللنا السرطان والتلوث»
وقال أحد المتظاهرين، رضا موسى، في تصريح لوكالة فرانس برس من أمام المحكمة:
نحن غاضبون مما يحدث في قابس... لقد سئمنا من السرطان وضيق التنفس وفقدان مواردنا البحرية والزراعية.
ورفع المتظاهرون شعارات مناوئة للمجمع من بينها: "يا قابسي يا ضحية، اخرج وشارك في القضية" و*"الشعب يريد تفكيك الوحدات"*، مؤكدين أن استمرار عمل المجمع يمثل تهديدًا مباشرًا لحياة السكان.
وشهدت المدينة خلال الأشهر الأخيرة حوادث متكررة لتسرب الغازات الصناعية من المجمع، ما أدى إلى حالات اختناق بين تلاميذ المدارس القريبة من المنطقة الصناعية.
وأوضح منير العدوني، أحد أعضاء هيئة الدفاع عن أهالي قابس، أن الجلسة أُجّلت إلى الأسبوع المقبل، مؤكدًا أن الفريق القانوني قدّم مؤيدات ووثائق تثبت "حجم الجريمة البيئية المرتكبة بحق المنطقة"، على حد قوله، مضيفًا:
لسنا بحاجة لمزيد من الأدلة لإثبات الأضرار الصحية والبيئية الناجمة عن أنشطة المجمع.
وكانت المحافظة قد شهدت في 21 أكتوبر الماضي تظاهرات ضخمة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين، طالبوا بإغلاق المجمع بعد تزايد حالات الاختناق وتدهور البيئة البحرية.
يُذكر أن المجمع الكيميائي التونسي أُنشئ عام 1972 على شاطئ قابس، لإنتاج الأسمدة من مادة الفوسفات المستخرجة من الجنوب التونسي. غير أن المخلفات الصلبة الناتجة عن هذه الصناعة، والمعروفة باسم الفوسفوجيبس، تُلقى في البحر وعلى الشاطئ منذ عقود، مسببة تلوثًا بيئيًا حادًا.

وأظهرت دراسات حديثة أن أكثر من 90% من التنوع البيولوجي البحري في خليج قابس قد اختفى بسبب الفوسفوجيبس الذي يحتوي على معادن ثقيلة وسامة. كما سجلت الجهات الصحية في المدينة ارتفاعًا لافتًا في معدلات الإصابة بالربو والسرطان مقارنة ببقية مناطق البلاد.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، كلّف الرئيس التونسي قيس سعيّد، السبت الماضي، المهندس في البتروكيمياء علي بن حمّود بتشكيل فريق عمل يتولى "بسرعة إيجاد حلول آنية في انتظار حلول استراتيجية" للأزمة البيئية في قابس.
إلا أن الحكومة التونسية تواجه معضلة حقيقية في معالجة الملف، إذ إن قطاع الفوسفات يُعد من أهم موارد البلاد الطبيعية، ويشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني. وتسعى السلطات إلى رفع إنتاج الأسمدة في قابس إلى خمسة أضعاف بحلول عام 2030 ليصل إلى نحو 14 مليون طن سنويًا، ما يثير قلقًا متزايدًا بين الناشطين البيئيين من استمرار التلوث وتفاقم آثاره الصحية والاجتماعية.