في موقف دبلوماسي يعكس تحفظاً رسمياً على المبادرات غير المعتمدة دولياً، أعلنت الحكومة السودانية أنها لا تتعامل مع ما يُعرف بالمجموعة الرباعية الدولية، معتبرة أنها كيان إعلامي لا يستند إلى قرار أممي أو تفويض من جهة دولية معترف بها، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لتكثيف التنسيق الإنساني والدولي بشأن الأزمة المتفاقمة في البلاد.
أعلنت الحكومة السودانية، يوم الأربعاء، أنها لا تتعامل مع المجموعة الرباعية الدولية بصفة رسمية، موضحة أن هذا الكيان لم يُشكل بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي أو أي منظمة دولية معتمدة. وأكدت أن الرباعية، التي تضم السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة، لا ترتبط بعلاقة مباشرة مع الحكومة السودانية، وتُعد جسماً إعلامياً يصدر بياناته دون تنسيق رسمي مع الخرطوم. جاء ذلك في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم، عقب اجتماع ثلاثي عقد في مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، جمعه بنظيره المصري بدر عبد العاطي ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر.
خلال تصريحاته عقب الاجتماع، أوضح وزير الخارجية السوداني أن بلاده تعتمد في علاقاتها الخارجية على التنسيق الثنائي المباشر مع الدول الشقيقة والصديقة، وعلى رأسها السعودية ومصر والولايات المتحدة. وأشار إلى أن الحكومة السودانية تجد تفهماً وتعاوناً من هذه الدول في إطار العلاقات الثنائية، بعيداً عن الأطر الجماعية غير المعتمدة. وأضاف أن المجموعة الرباعية “صنعها من صنعها”، وأنها تصدر بياناتها عبر وسائل الإعلام دون وجود صلة رسمية بالحكومة السودانية، مؤكداً أن التعامل معها لا يتم بأي صفة دبلوماسية أو قانونية.
أفادت مصادر إعلامية سودانية أن الحكومة السودانية كانت قد أبدت تحفظات على مقترح هدنة إنسانية طرحته المجموعة الرباعية في اجتماع سابق عقد في واشنطن. وشملت الملاحظات السودانية المطالبة بسحب قوات الدعم السريع من المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً، ونشر قوات من الشرطة السودانية في المواقع التي يتم الانسحاب منها، إلى جانب إنشاء آلية دولية لمراقبة تنفيذ الهدنة، ومنع تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع من الخارج. وتأتي هذه التحفظات في سياق رفض الحكومة السودانية لأي ترتيبات لا تراعي السيادة الوطنية أو تتم خارج الأطر القانونية الدولية.
في سياق متصل، أشار وزير الخارجية السوداني إلى أن زيارة المسؤول الأممي إلى السودان ستُفضي إلى خطوات عملية على الأرض، مؤكداً استمرار جهود الحكومة في إخراج ما وصفهم بـ”مرتزقة ميليشيا الدعم السريع” من البلاد. ودعا المجتمع الدولي إلى التعامل مع ما يجري في السودان باعتباره “غزواً أجنبياً”، مشدداً على ضرورة اتخاذ موقف واضح تجاه التدخلات الخارجية التي تؤجج النزاع. كما أكد أن الاجتماع الثلاثي ناقش تطورات الأوضاع بعد دخول المليشيا المتمردة إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وما نتج عنه من موجات نزوح واسعة باتجاه شمال البلاد.
أوضح وزير الخارجية السوداني أن أبرز محاور الاجتماع الثلاثي تمثلت في التأكيد على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الأزمة السودانية، بما يشمل الضغط على المليشيا والدول التي تقدم لها الدعم. وأشار إلى أن ملف المرتزقة الذين تستقدمهم قوات الدعم السريع من دول مختلفة كان حاضراً ضمن أجندة النقاش، حيث تم التأكيد على أهمية التعامل معه بجدية وفقاً لنصوص القانون الدولي. وشدد على أن الحكومة السودانية تطالب بتطبيق المعايير القانونية الدولية في مواجهة هذه الظاهرة، التي تُعد أحد أبرز عوامل تأجيج النزاع في البلاد.
من جانبه، أكد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال لقائه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، حرصه على التعاون مع وكالات المنظمة الدولية، شريطة أن تراعي هذه الجهات سيادة السودان ومصالحه القومية. وأشار إلى أن أي تنسيق دولي يجب أن يتم ضمن إطار يحترم استقلال القرار السوداني، ويأخذ في الاعتبار خصوصية الوضع الداخلي للبلاد. وتأتي هذه التصريحات في وقت تتواصل فيه الجهود الدولية لإقرار هدنة إنسانية تتيح إيصال المساعدات إلى المتضررين من النزاع.
في سياق متصل، شدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال زيارته إلى مدينة بورتسودان، على أهمية الحفاظ على وحدة السودان، مؤكداً أن تقسيم البلاد يُعد “خطاً أحمر” بالنسبة للقاهرة، التي لن تقبل أو تسمح به. وفي تصريحات أدلى بها لقناة “القاهرة الإخبارية”، أكد عبد العاطي أن الحل العسكري للأزمة السودانية غير مقبول، داعياً إلى إطلاق مسار إنساني يضمن وصول المساعدات دون عوائق. وأشار إلى أن مصر تتواصل مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز جهود التسوية الشاملة، بالتوازي مع زيادة الدعم الإغاثي والتنسيق مع المنظمات الدولية، في ظل التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية داخل السودان.