دراسات وأبحاث

10 سنوات على هجمات باريس.. كيف تطورت تهديدات الإرهاب في فرنسا؟

الخميس 13 نوفمبر 2025 - 12:04 ص
هايدي سيد
الأمصار

مرت عشر سنوات على الهجمات الإرهابية التي هزّت العاصمة الفرنسية باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 130 شخصًا وإصابة المئات، ولا تزال فرنسا تعيش تحت تأثير جراح تلك الأحداث المأساوية.

 وفي الذكرى العاشرة لتلك الهجمات، أجرت محطة "فرانس. إنفو" الفرنسية رصدًا شاملًا لكيفية تطور تهديدات الإرهاب في فرنسا خلال العقد الماضي، مؤكدة أن طبيعة هذا الخطر شهدت تغييرات كبيرة على مستوى الأساليب والأهداف.

في السنوات التي تلت هجمات 2015، تم إحباط العديد من محاولات التفجير والهجمات الإرهابية داخل الأراضي الفرنسية، مما يدل على استمرار خطر الإرهاب، لكنه بات يتخذ أشكالًا جديدة تختلف عن الهجمات التقليدية التي شهدتها باريس قبل عقد من الزمن.

التنظيمات الإرهابية والدور الخارجي

كان تنظيم "داعش" وتنظيم القاعدة قادرين على تنفيذ هجمات عبر عناصر موجودة داخل فرنسا، على الرغم من أن بعض تلك العمليات كانت تُخطط من خارج البلاد. 

 

وأوضحت "فرانس.إنفو" أن جهود القضاء الفرنسي والمخابرات الوطنية، بالإضافة إلى الضربات الجوية للتحالف الدولي، أسفرت عن اعتقال أو قتل العديد من عناصر هذه التنظيمات، بينما تراجع آخرون عن مسار الإرهاب.

مع مرور الوقت، أصبحت العمليات الإرهابية أقل اعتمادًا على الشبكات الخارجية، وبدأ التركيز يتحول نحو التهديد الداخلي، الذي يعتمد بشكل متزايد على الدعاية الرقمية واستقطاب الأفراد عبر الإنترنت، بما في ذلك استخدام ما يعرف بـ"الجهاد الرقمي". 

وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، في إعادة تدوير مقاطع فيديو قديمة وتحفيز الشباب على التطرف، وهو ما بات يمثل القلق الأكبر للأجهزة الأمنية الفرنسية.

الإرهاب عبر الإنترنت واستهداف الشباب

منذ 2015، شهدت فرنسا تحولًا في طبيعة تهديد الإرهاب، حيث أصبح الاستقطاب الرقمي للشباب جزءًا رئيسيًا من استراتيجية التنظيمات الإرهابية، وخاصة "داعش". وأشارت المديرة العامة للأمن الداخلي الفرنسي، سيلين بيرتون، إلى أن بين حوالي أربعين شخصًا متورطين في مشاريع إرهابية منذ 2023، كان اثنان من كل ثلاثة يقل عمرهم عن 21 عامًا.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تم وضع قاصرين بعمر 16 و17 عامًا تحت التحقيق بعد تخطيطهم لعدة هجمات في منطقتي سارت وباريس. 

كما تراقب المخابرات أحيانًا أشخاصًا دون سن الخامسة عشرة، بسبب بحثهم عن طرق لتنفيذ هجمات أو الحصول على أسلحة.

ورغم أن بعض هذه المشاريع محدودة الفاعلية، إلا أن التركيز على الشباب يعكس استراتيجية التنظيمات الإرهابية في الوصول إلى جمهور أصغر سنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلة العزلة النفسية والإدمان على الإنترنت. 

وأكدت بيرتون أن العديد من هؤلاء الشباب ليس لديهم أساس أيديولوجي ثابت، وبعضهم انتقل من التطرف اليميني المتطرف إلى الفكر الإرهابي، في حين يتأثر آخرون بمشاهد عنف شديد لا علاقة له بالإرهاب، مثل مقاطع القتل التي تنتجها عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية.

مراقبة التهديدات في آسيا الوسطى

على الصعيد الدولي، ركزت المخابرات الفرنسية جهودها في السنوات الأخيرة على تهديدات تنظيم "داعش" في خراسان (ISKP)، المنتشر بشكل رئيسي في باكستان وأفغانستان. 

وأكد رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي، نيكولا ليرنر، أن ISKP كان "المحور الرئيسي لعمل المخابرات الفرنسية" خلال العامين الماضيين، مشيرًا إلى أن معظم المشاريع الإرهابية التي تربط بين أنصار التنظيم في أوروبا والخارج كانت مرتبطة به.

وأشار ليرنر إلى أن التهديد المرتبط بـISKP لم يعد بنفس القوة التي كان عليها قبل عدة أشهر، بفضل جهود تفكيك الخلايا واعتقال القيادات. ووفقًا له، فقد تم خلال الأشهر الأخيرة اعتقال 12 مسؤولًا قياديًا في ISKP من قبل الشرطة وخدمات الأمن في باكستان وأفغانستان، ما ساهم في تراجع قدرة التنظيم على التأثير على العمليات في فرنسا وأوروبا.

تطور أساليب الإرهاب

خلال العقد الماضي، تغيرت أساليب الإرهاب في فرنسا بشكل واضح، من الهجمات المنظمة على غرار هجمات باريس 2015 إلى عمليات فردية محدودة التنفيذ تعتمد على السكاكين أو إطلاق النار.

 وغالبًا ما ينفذ هذه العمليات أفراد ضعفاء نفسيًا، مستغلين الدعاية الرقمية والتأثر بالمحتوى العنيف على الإنترنت.

كما أن الأجهزة الأمنية الفرنسية تعمل على مراقبة التهديدات بشكل أكثر حذرًا، بما يشمل تتبع الأشخاص دون سن الخامسة عشرة الذين يظهرون علامات اهتمام بالعنف أو التطرف، في حين تستمر برامج إعادة التأهيل لملاحقة أولئك الذين انخرطوا في الفكر الإرهابي ولكنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة التنفيذ.

تحديات المستقبل

على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها فرنسا في مجال مكافحة الإرهاب، يبقى التهديد مستمرًا ومتغيرًا. ويؤكد خبراء الأمن أن الجيل الجديد من الشباب المستهدفين عبر الإنترنت يشكل تحديًا مستقبليًا، حيث تتطلب معالجة هذه الظاهرة مزيجًا من المراقبة الأمنية، والتثقيف الرقمي، وبرامج الدعم الاجتماعي والنفسي لمنع استغلال الأفراد الضعفاء نفسيًا.

كما أن التعاون الدولي يبقى عاملًا حاسمًا في مكافحة الإرهاب، خصوصًا فيما يتعلق بالتنظيمات المرتبطة بآسيا الوسطى والشرق الأوسط. وتواصل الأجهزة الفرنسية تنسيق جهودها مع الدول الشريكة لضمان تفكيك الشبكات الإرهابية قبل أن تتحول إلى تهديدات ملموسة على الأراضي الفرنسية أو الأوروبية.

في الذكرى العاشرة لهجمات باريس، تبقى فرنسا في مواجهة مستمرة مع الإرهاب، ولكن التحولات في أساليب التنظيمات الإرهابية واستهداف الشباب الرقمي تظهر أن التحدي اليوم ليس فقط عسكريًا أو أمنيًا، بل اجتماعيًا وتقنيًا أيضًا. ويستمر العمل على تطوير استراتيجيات شاملة تجمع بين الأمن والمجتمع لمواجهة تهديدات المستقبل.