في مشهد غير مسبوق يهز أركان المؤسسة الأمنية والقضائية في إسرائيل، تفجّرت أزمة جديدة بين الجيش والشرطة ووزارة العدل، بعد تسريب فيديو صادم لجنود إسرائيليين يعذبون معتقلاً فلسطينياً، وما أعقبه من اعتقال المدعية العسكرية السابقة تومر يروشالمي بتهمة تسريب المقطع.
القضية التي بدأت كتحقيق داخلي تحوّلت سريعًا إلى عاصفة سياسية وقضائية تهدد الثقة بالمؤسسة العسكرية وتكشف عن صراع عميق بين أذرع الدولة حول حدود السلطة والمساءلة.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصدر عسكري رفيع قوله إن “من أخطأ سنستأصله بالمشرط، لكن يجب الحفاظ على النيابة العسكرية التي حمت القادة والمقاتلين لعامين متواصلين”، في محاولة للتوازن بين دعم النظام القضائي العسكري واحتواء تداعيات الفضيحة.
القضية تعقدت أكثر بعد أن نُقلت يروشالمي إلى المستشفى بدوافع يُشتبه بأنها انتحارية، بينما كشف موقع ynet أن القاضي المتقاعد آشر كولا، المكلّف من وزير العدل ياريف ليفين بالإشراف على التحقيق، جمد عمله مؤقتًا امتثالًا لأمر مشروط من المحكمة العليا الإسرائيلية، بانتظار البتّ النهائي في شرعية تكليفه.
الأزمة فجّرت صراعًا بين أجهزة الدولة؛ إذ رفض المفتش العام للشرطة داني ليفي تسليم مواد التحقيق لكولا قبل صدور قرار قضائي، ما دفع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لمهاجمة الشرطة والقول: “لا يمكن أن تكون إسرائيل جمهورية موز، سلّموا المواد للقاضي كولا” وردّ عليه رئيس إدارة التحقيقات اللواء بوعز بلاط قائلاً إنه حضر الاجتماع مكرهًا، لتتصاعد حدة المواجهة الكلامية بين الطرفين.
في موازاة ذلك، طالبت الشرطة بفرض الإقامة الجبرية على يروشالمي داخل المستشفى ومصادرة جواز سفرها، بعد أن عُثر على هاتفها في البحر وأكدت الفحوص أنه يعود لها، وهو ما عزز الشبهات حول محاولتها إخفاء أدلة مرتبطة بالتسريب.
ومن المقرر أن تعقد المحكمة العليا جلسة حاسمة يوم الثلاثاء لبحث التماسين متناقضين؛ الأول يطالب بإبعاد المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف-ميآرا عن التحقيق بدعوى تضارب المصالح، والثاني يسعى لإلغاء قرار وزير العدل بتعيين القاضي كولا مشرفًا على القضية.
القضية، التي كشفت هشاشة العلاقة بين السلطات الإسرائيلية الثلاث – التنفيذية والعسكرية والقضائية – باتت اختبارًا صعبًا لمصداقية منظومة العدالة داخل إسرائيل، وسط تصاعد المخاوف من أن تتحول إلى أزمة مؤسسية تهدد توازن الحكم نفسه.