دراسات وأبحاث

ترامب يرفض الخوف من نووي روسيا ويطمح لإنهاء حرب أوكرانيا

الإثنين 10 نوفمبر 2025 - 12:08 ص
مصطفى سيد
الأمصار

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تصدرت التهديدات النووية الروسية العناوين العالمية، مما أثار قلقًا واسعًا بين القوى الدولية حول احتمال استخدام روسيا لأسلحتها النووية في النزاع المستمر. 

ومع أن محللين عديدين يشيرون إلى أن الأسلحة النووية لا تمنح ميزة حقيقية على أرض المعركة، فإن التصريحات المتكررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعض كبار المسؤولين في موسكو أضافت طبقة من الغموض والخطر على الوضع العسكري والسياسي في أوروبا والعالم.

وفي هذا السياق، ركزت إدارة الرئيس الأمريكي  جو بايدن على مخاطبة روسيا وتحذيرها من عبور الخطوط الحمراء فيما يتعلق باستخدام الأسلحة النووية. بحسب كتاب الصحفي بوب وودوارد بعنوان "الحرب"، فقد تلقت الإدارة معلومات استخباراتية تفيد بأن بوتين كان يفكر في استخدام أسلحته النووية في أوكرانيا لتجنب الخسائر المحتملة في المعارك، مما دفع بايدن إلى إصدار تحذيرات مباشرة إلى الرئيس الروسي عبر القنوات الدبلوماسية.

لكن محللين ومؤرخين يرون أن إدارة بايدن بالغت في تقدير المخاطر النووية الروسية. 

المؤرخ والمؤلف الأوكراني سيرهي بلوخي صرح لمجلة "نيوزويك" بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن يخشى تهديدات بوتين النووية، وقال: "لا أرى أن ترامب يخشى روسيا أو استخدام الأسلحة النووية. على العكس، كان الخوف من روسيا النووية هو المحرك الرئيسي لإدارة جو بايدن".

 وأضاف بلوخي أن ترامب اتخذ نهجًا مختلفًا في التعامل مع التهديدات الروسية، مؤكدًا أن سياسة ترامب الخارجية لم تستند إلى الخوف من روسيا النووية، بل على عوامل أخرى تتعلق بالدبلوماسية والقدرة على تحقيق الاستقرار في مناطق النزاع.

تصاعدت التوترات النووية مؤخرًا بعد تصريحات ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعلن أنه أصدر تعليماته لوزارة الحرب الأمريكية ببدء تجارب الأسلحة النووية، في سياق رد فعل على ما اعتبره برامج تجريبية مماثلة تقوم بها دول أخرى. هذا الإعلان أثار رد فعل من الكرملين، حيث أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولين بدراسة إمكانية استئناف التجارب النووية الروسية

ومع ذلك، بقيت التفاصيل حول نوع التجارب غير واضحة، سواء كانت اختبارات للصواريخ أم تفجيرات للرؤوس الحربية، مما أضاف مزيدًا من الالتباس على المشهد النووي الدولي.

وفي رد على هذه التطورات، أكد وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت أن الولايات المتحدة لن تستأنف تفجيرات نووية فعلية، بل ستركز على اختبارات النظام لضمان جاهزية الأسلحة النووية دون انتهاك معاهدات وقف التجارب النووية. 

وأشار مسؤول في البيت الأبيض إلى أن ترامب أصدر تعليماته لكل من وزارتي الحرب والطاقة لإجراء اختبارات على قدم المساواة وبسرعة، مع مراعاة أن تكون هذه الاختبارات جزءًا من الجهود الرامية لضمان الردع النووي الأمريكي أمام أي تحركات روسية أو صينية غير ملتزمة بالمعايير الدولية.

بالإضافة إلى التهديدات المباشرة، أعرب بلوخي عن قلقه من الوضع على الأرض في أوكرانيا، خصوصًا فيما يتعلق بمحطات الطاقة النووية، مثل محطة زابوريجيا، حيث شهدت المنطقة اشتعال حرائق في أحد المباني نتيجة المعارك، وهو ما اعتبره "اللحظة الأخطر بلا منازع" منذ بداية الحرب. وأضاف بلوخي أن الخطر لا يزال قائمًا، لكنه أصبح أقل حدة مع تراجع درجة حرارة المفاعلات وإجراءات الحماية التي اتخذت لتقليل احتمالية وقوع كارثة نووية.

وحول الفرق بين سباق التسلح النووي الحالي والأول في القرن العشرين، قال بلوخي إن "الأمر الرئيسي هو أن لدينا الآن عددًا أكبر من الدول النووية مقارنة بخمسينيات القرن الماضي، وعدد الاتفاقيات الدولية للحد من التسلح أقل بكثير مقارنة بما كان عليه الحال في السبعينيات والثمانينيات، مما يجعل الوضع أكثر خطورة وتعقيدًا". وأوضح أن "نظام منع الانتشار النووي الذي تم تأسيسه في الستينيات يواجه تحديات كبيرة نتيجة الحرب في أوكرانيا، وهو ما يعقد قدرة المجتمع الدولي على ضبط السلوك النووي للدول المختلفة".

وفيما يخص موقف ترامب من الحرب الأوكرانية، أكد بلوخي أن الرئيس الأمريكي السابق يسعى إلى ترك إرث تاريخي كصانع سلام، حيث يبدو أن هدفه الأسمى هو إيجاد حل ينهي النزاعات المسلحة ويضع حدا للحرب في أوكرانيا. 

وأضاف بلوخي أن ترامب يسعى أيضًا للحصول على الاعتراف الدولي بمجهوده، بما في ذلك إمكانية ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، ما يفسر التغييرات المستمرة في خطاباته وتكتيكاته السياسية خلال فترة رئاسته وما بعدها.

من جهة أخرى، تعكس تصريحات ترامب وبوتين الأخيرة استمرار المنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة وروسيا على الساحة النووية العالمية، حيث تتداخل السياسة الداخلية مع الدبلوماسية الدولية، ويظل خطر الانزلاق إلى استخدام الأسلحة النووية الواقعية حاضرًا، رغم أن الكثير من التحليلات تشير إلى أن هذه التهديدات غالبًا ما تكون جزءًا من الاستراتيجيات النفسية والدبلوماسية لابتزاز الخصوم أو التأثير على مواقفهم.

وفي الختام، يرى محللون أن الحرب في أوكرانيا تسلط الضوء على هشاشة الأمن النووي العالمي في القرن الحادي والعشرين، حيث يتداخل عدد أكبر من اللاعبين النوويين وقلة الاتفاقيات الملزمة لتقليل التسلح، مع استمرار النزاعات الإقليمية التي قد تتحول بسهولة إلى أزمات دولية. ورغم المخاطر، يؤكد ترامب أنه يسعى إلى تحقيق السلام، وهو ما يمثل دافعًا آخر وراء تجاهله للتهديدات النووية الروسية المباشرة، مؤكدًا أن نهاية الحرب في أوكرانيا وترك إرث تاريخي إيجابي هما الهدف النهائي لاستراتيجيته.