دراسات وأبحاث

السويد تكسر قيود الحظر وتستأنف تعدين اليورانيوم بعد سبع سنوات من التوقف

الأحد 09 نوفمبر 2025 - 11:28 ص
ابراهيم ياسر
الأمصار

في خطوة اعتبرها مراقبون تحولًا جذريًا في سياسة الطاقة والموارد الطبيعية، صوّت البرلمان السويدي (الريكسداغ) بأغلبية واضحة لصالح مقترح حكومي يجيز استئناف عمليات تعدين اليورانيوم داخل البلاد، منهياً بذلك حظرًا استمر أكثر من سبع سنوات. 

3 دول تنتج أكثر من ثلثي إمداداته العالمية.. هذا حجم تعدين اليورانيوم - CNN  Arabic

ويُنظر إلى هذا القرار على أنه أحد أهم التحولات في توجه السويد نحو تعزيز أمنها الطاقي وتقليل اعتمادها على واردات الوقود الأحفوري.

عودة التعدين بعد حظر طويل

ووفقًا لما نشره موقع وورلد نيوكلير نيوز المتخصص في أخبار الطاقة النووية، فإن القرار الجديد الذي أقرّه البرلمان السويدي ينص على إدراج اليورانيوم ضمن قائمة “المعادن ذات الامتياز”، وهي الفئة التي تُمنح أولوية في الاستكشاف والاستخراج نظراً لأهميتها الإستراتيجية والاقتصادية. ذ

وبذلك، يُفتح الباب مجددًا أمام الشركات المحلية والعالمية للبحث عن اليورانيوم واستخراجه بعد توقف تام منذ عام 2018.

كما أوضح البيان البرلماني أن التشريع الجديد يلغي حق النقض (الفيتو) البلدي، وهو الإجراء الذي كان يمنح المجالس المحلية سلطة تعطيل مشاريع التعدين لأسباب سياسية أو بيئية. 

ويُتوقع أن يسهم هذا الإلغاء في تسريع الإجراءات البيروقراطية وجذب المزيد من الاستثمارات إلى القطاع. 

إضافة إلى ذلك، نص القرار على إعفاء الأنشطة الصغيرة التي تتعامل مع كميات محدودة من اليورانيوم من شرط الحصول على تراخيص خاصة، مما يمنح الشركات الناشئة والباحثين مرونة أكبر في تنفيذ مشاريعهم.

إنتاج اليورانيوم.. هذه قائمة أهم الموردين وأكبر 10 مناجم في العالم - الطاقة

خلفية القرار وأهدافه

وكان قانون البيئة السويدي لعام 2018 قد فرض حظراً صارماً على عمليات استكشاف واستخراج اليورانيوم، ضمن سياسة وطنية هدفت حينها إلى تقليص المخاطر البيئية وتجنب الجدل المجتمعي المحيط بالطاقة النووية. 
إلا أن التحولات العالمية الأخيرة في مشهد الطاقة — خاصة بعد أزمة الغاز الأوروبية والتوترات الجيوسياسية في القارة — دفعت الحكومة السويدية إلى إعادة النظر في سياستها.

وقدمت الحكومة في مطلع هذا العام مشروع قانون جديد يقضي باستئناف التعدين اعتباراً من 1 يناير المقبل، في إطار خطة أوسع تهدف إلى مضاعفة القدرة النووية للبلاد ثلاث مرات خلال العقد القادم. وتأتي هذه الخطوة في ظل سعي السويد لتقليل انبعاثات الكربون وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2045.

الصين تحل محل روسيا في مشاريع تعدين اليورانيوم في كازاخستان - جريدة البورصة

ترحيب واسع من قطاع التعدين

القرار قوبل بترحيب كبير من قبل الشركات العاملة في مجالات التعدين والطاقة.

 فقد أصدرت شركة أورا إنرجي (Aura Energy) الأسترالية بيانًا أشادت فيه بنتائج التصويت، معتبرة أن القرار "يضيف قيمة استراتيجية كبيرة لمشروعاتها المتعددة المعادن في السويد"، وخاصة مشروع هاجون (Häggån) الذي يضم رواسب من الفاناديوم والبوتاس واليورانيوم.

وقال فيل ميتشل، الرئيس التنفيذي للشركة، إن استئناف تعدين اليورانيوم "فرصة تاريخية تجعل من المعدن الأصفر عنصراً رئيسياً في دعم الاقتصاد السويدي وأمن الطاقة الوطني"، مضيفاً أن بلاده "تمتلك نحو 27% من احتياطيات اليورانيوم المعروفة في أوروبا، وهو ما يجعل إمكانات هذا القطاع هائلة من الناحية الاقتصادية".

تعدين اليورانيوم – مهندس نت

وأكد ميتشل أن "أورا إنرجي" بدأت بالفعل في تحديث دراسات الجدوى الخاصة بمشروعاتها لدمج استخراج اليورانيوم ضمن خططها المستقبلية، مشيراً إلى أن الشركة ملتزمة بأعلى معايير السلامة والبيئة في عملياتها. وأضاف أن "استغلال اليورانيوم محلياً أفضل من الناحية الاقتصادية والبيئية من اعتباره نفايات كما كان يحدث سابقاً".

دعم من شركات دولية أخرى

من جانبها، أشادت شركة ديستريك ميتل (District Metals) الكندية، المتخصصة في استكشاف المعادن المتعددة، بالقرار السويدي، ووصفت التصويت بأنه "تاريخي" يعيد رسم خريطة صناعة التعدين في البلاد. وأكدت الشركة أن مشروعها "فيكن" (Viken) في السويد يحتوي على موارد ضخمة تُقدّر بنحو 1.5 مليار رطل من أكسيد اليورانيوم (U₃O₈)، إلى جانب عناصر استراتيجية أخرى مثل الفاناديوم والنيكل والموليبدينوم والزنك.

وقال غاريت أينسورث، الرئيس التنفيذي للشركة، إن القرار "يضع السويد في موقع ريادي يمكّنها من المساهمة الفاعلة في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة"، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى مصادر مستقرة ومنخفضة الانبعاثات للطاقة. وأضاف أن الشركة كانت قد استبقت التصويت بتحديث بياناتها الجيولوجية وتنفيذ مسوحات جوية استعداداً لاستئناف عمليات التطوير، متوقعاً إطلاق برامج موسعة للحفر والدراسات الاقتصادية خلال عام 2026.

أعمال ونشاطات شركة تعدين اليورانيوم الأردنية - YouTube

تحول إستراتيجي نحو الطاقة النووية

يرى خبراء الطاقة أن استئناف تعدين اليورانيوم يمثل جزءاً من إستراتيجية أشمل لتوسيع الاعتماد على الطاقة النووية في السويد، التي تعتمد حالياً على نحو 40% من احتياجاتها الكهربائية على المفاعلات النووية. وتسعى الحكومة إلى بناء مفاعلات جديدة وتحديث القديمة، في إطار خطة طموحة لجعل الطاقة النووية ركيزة أساسية في مزيج الطاقة المستقبلي.

كما يتوقع محللون أن يسهم القرار في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وخلق فرص عمل جديدة في مناطق التعدين، خاصة في شمال ووسط البلاد الغنيين بالموارد المعدنية. ومع ذلك، ما زال القرار يثير بعض الجدل داخل الأوساط البيئية التي تخشى من التأثيرات المحتملة على النظم البيئية والمياه الجوفية.

بهذا القرار التاريخي، تعلن السويد بوضوح دخولها مرحلة جديدة من الاستقلال الطاقي وتعزيز الاقتصاد الأخضر.

 فبعد أعوام من التردد، يبدو أن ستوكهولم قررت المضي قدمًا نحو مستقبلٍ يوازن بين الحاجة إلى مصادر نظيفة وآمنة للطاقة، وبين الاستفادة من ثرواتها الوطنية المدفونة في باطن الأرض.