عندما يتقاطع مستقبل التحالفات الكبرى مع التهديدات السياسية، يجد القادة أنفسهم أمام لحظات حرجة. وبينما كان العالم يترقّب تطورات «السياسة الأمريكية»، كانت هُناك «تهديدات» على مستوى عالٍ من شأنها أن تهزّ أركان النظام الدولي. في تلك اللحظات، كانت قوة التحالفات العسكرية الكبرى، مثل «الناتو»، على المحك، مع تصريحات كان من المُمكن أن تُعيد تشكيل المشهد بالكامل.
وفي التفاصيل، كشف الأمين العام السابق للناتو، «ينس ستولتنبرغ»، اليوم الأحد، عن مخاوف سادت أوساط الحلف بسبب تهديدات الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» بانسحاب الولايات المتحدة منه.
وقال «ستولتنبرغ»، الذي يُشغل حاليًا منصب «وزير مالية النرويج»، في مقابلة مع صحيفة «التايمز»، إنه خشي من انحلال «الناتو» خلال فترة شغله منصب الأمين العام.
وأضاف ينس ستولتنبرغ، في مقابلة مع صحيفة «التايمز»: «في قمة الناتو عام (2018)، حيث أعلن الرئيس ترامب أنه يُفكر في الانسحاب من الحلف، شعرت بالقلق من أنني قد أصبح الأمين العام الذي يشهد نهاية الناتو».
وبحسب ما ادعاه المستشار الأسبق للأمن القومي في البيت الأبيض، «جون بولتون»، في كتابه، فإن «ترامب» أراد تهديد قادة «الناتو» خلال القمة عام 2018 بالانسحاب الأمريكي من الحلف إذا لم يدفعوا مساهماتهم بنسبة (2٪) من الناتج المحلي الإجمالي لبلدانهم.
وأوضح «ستولتنبرغ»، أنه بعد ذلك ناقش تهديد «ترامب» بالانسحاب من «الناتو» مع وزير الخارجية «مايك بومبيو»، وقررا معًا إقناعه بالبقاء في الحلف، ربما مع خفض المساهمات الأمريكية. وفي النهاية، اتبع دونالد ترامب في خطابه نصيحة «بولتون» - فأعلن عن دعمه للناتو، لكنه انتقد دول الحلف التي لا تزال لديها ميزانيات دفاعية منخفضة.
في ولايته الثانية، يبدو أن الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، قد وجد سلاحًا جديدًا للهيمنة السياسية: «المؤثرون». في عصر تتفجّر فيه الشبكات الاجتماعية بالأحداث والآراء، يُراهن «ترامب» على هؤلاء الأفراد القادرين على تشكيل الرأي العام وتحريك الجماهير، ليُعزز سُلطته ويُعيد فرض نفوذه. مع ظهور هذه الاستراتيجية الرقمية، تُصبح المعركة السياسية أكثر تعقيدًا، حيث لم يعد مُجرد الكلام هو ما يُحرّك الانتخابات، بل أصبحت «منصات التواصل الاجتماعي» ساحة حاسمة للمعركة القادمة.
وعلى مدار عام تقريبًا من ولايته الثانية، شكّل المؤثرون اليمينيون ومسؤولو إدارة «ترامب» تحالفًا متينًا، حيث تضافرت جهودهم لاستهداف من يعتبرونهم «خصومًا»، مع تكثيف حملاتهم لتضخيم ادعاءات معينة وإعادة تشكيل المشهد الإعلامي في الولايات المتحدة.
ويأتي ذلك في ظلّ تزايد عدد منصات التواصل الاجتماعي والمنافذ الإعلامية التقليدية التي تستوعب «ترامب»، لتتفكك سردية الجمهوريين، التي استمرت عقود من الزمن، في انتقاد ما اعتبروه منظومة إعلامية ليبرالية تعمل على تشكيل السياسة الأمريكية من اليسار.
الآن، هناك كوكبة جديدة من المؤثرين، وأقطاب المليارديرات، ومنصات التواصل الاجتماعي، التي يتبنى الكثير منها أفكار البيت الأبيض أو يُضخّمها، تدفع النظام المعلوماتي في البلاد نحو اليمين؛ كما يُشير تقرير لـ«رويترز».
ولفت التقرير إلى أن «المؤثرين اليمينيين والشخصيات الإعلامية المحافظة، الذين غالبًا ما يتعاونون مع مسؤولي ترامب، أصبحوا قوةً فاعلة في حملة انتقامية متنامية ضد من يُنظر إليهم على أنهم أعداء لإدارة ترامب».
وذكر أنه «بفضل التحوّلات في ملكية وسائل الإعلام وتقنياتها، ودعمها بالحوافز المالية، تُسهم هذه الشخصيات في تشويه سُمعة منافسي ترامب، وتضخيم خطاب إدارته وادعاءاتها الكاذبة، ما يُطمس الحدود بين الرسائل الرسمية وأخبار وآراء القطاع الخاص».
كما كشف تحليل «رويترز» لمنشورات وبرامج وبودكاست لـ (22) مؤثرًا يمينيًا وشخصية محافظة عن «ولاء راسخ لترامب»، وهو ما يُمثل تحولًا جذريًا عن الخلاف بين القادة السياسيين والصحافة الذي ميّز السياسة الأمريكية منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون وفضيحة «ووترجيت» في سبعينيات القرن الماضي.
مع نشر ترامب لقوات الحرس الوطني في المدن الأمريكية، شارك المؤثرون المرتبطون بشخصيات مثل وزيرة الأمن الداخلي، «كريستي نويم»، على نطاق واسع محتوى يعكس تصوير الإدارة للمُدن التي يقودها الديمقراطيون على أنها غارقة في الفوضى، حتى مع إظهار بيانات إنفاذ القانون انخفاضًا في جرائم العنف في معظم المناطق الحضرية.
وداخل البيت الأبيض، دعا الرئيس شخصيات إعلامية من اليمين للانضمام إلى كبار المسؤولين في غرفة الطعام الرسمية وانتقاد وسائل الإعلام التقليدية، فيما وصفته «رويترز» بأنه «علاقة تكافلية تمثلت في أكثر من حادث».
في أبريل الماضي، أُقيل أكثر من اثني عشر مسؤولًا في الأمن القومي وسط حملة قادها مؤثرون. وفي أغسطس، تلقى نائب ديمقراطي أسود موجة من التهديدات العُنصرية بعد أن استخدمت إدارة ترامب حسابًا حكوميًا رسميًا لإعادة نشر ادعاء كاذب أطلقه مؤثر يميني آخر.
هكذا، يقول المؤثرون ووسائل الإعلام اليمينية إنهم حلفاء أيديولوجيون لترامب، وليسوا «دُعاة»، ويتشاركون الاعتقاد بأنه ينقذ البلاد من التدهور، ويتهمون هم والإدارة وسائل الإعلام التقليدية بتغطية أخباره بشكل غير عادل.
ونقل التقرير عن «لورا لومر»، التي تصف نفسها بأنها مُؤيدة لترامب وصحفية مستقلة: «هذا رد فعل على حملة التشهير التي شنّتها وسائل الإعلام الرئيسية على مدى قرابة عقد من الزمن ضد الرئيس ترامب وعائلته وحركة «لنجعل أمريكا عظيمة مُجددًا (MAGA)» في هذا البلد».
بينما المتحدثة باسم البيت الأبيض، «أبيجيل جاكسون»، أشارت إلى أن العديد من الأمريكيين لم يعودوا يثقون في وسائل الإعلام السائدة «لأنها تكذب بشكل مُتكرر وتُشوه الحقيقة من أجل تعزيز أجندتها الأيديولوجية الخاصة».
تُوضح «رويترز»، أن الشخصيات الإعلامية الموالية لترامب تمنح له ميزةً في التعامل مع الأزمات السياسية وتعزيز سلطته «فمن خلال صياغة الروايات آنيًا -وأحيانًا بترديد مزاعم البيت الأبيض- يُمكن للشخصيات الإعلامية الموالية للرئيس أن تُضعف التغطية الإعلامية السلبية وتُعزز قاعدة ترامب على نطاقٍ ربما لم يُضاهِه أي رئيس سابق».
من هذه الروايات ما انتشر بعد الانتخابات التي جرت هذا الأسبوع في البلاد، فقد ردد المؤثرون المحافظون واليمينيون إلى حد كبير خط الرئيس بأن خسائر الجمهوريين كانت نتيجة لمرشحين معيبين، وعوامل خارجية مثل إغلاق الحكومة، مع تجنب انتقاد ترامب نفسه.
يأتي ذلك في ظل تحوّل أوسع نطاقًا بين المسؤولين التنفيذيين وأصحاب وسائل الإعلام المؤيدة لترامب. ففي بداية العام، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرج، عن التراجع عن سياسات تعديل المحتوى التي أدت إلى إزالة بعض المؤثرين المؤيدين لترامب من «فيسبوك» و«إنستجرام».
ومنذ عام 2022، اتبع «إيلون ماسك» نهجًا مُشابهًا على منصة «إكس»، وأعاد تصميم المنصة وعزز حساباتها المفضلة، ما أتاح للأصوات المحافظة نطاقًا أوسع.
وأعاد مؤسس أمازون «جيف بيزوس»، ثالث أغنى شخص في العالم، تشكيل قسم الرأي ذي الميول الليبرالية التقليدي في صحيفة «واشنطن بوست»، وهي الخطوة التي وصفها في فبراير بأنها «تحوّل كبير نحو التركيز على الحريات الشخصية والأسواق الحرة».
وفي الوقت نفسه، يُرهق «ترامب» مُقدّمي الأخبار التقليديين. فقد ضغط على بعض أكبر شبكات التلفزيون، وحصل على تسويات قانونية بملايين الدولارات من شبكتي (ABC News) و(CBS)، بعد أن زعم في دعاوى قضائية أن (ABC) شوّهت سُمعته وأن (CBS) حررت مقابلة مع «كامالا هاريس» بشكل مُضلّل عندما كانت مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة. بينما أعلنت صحيفتا «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز» عزمهما على «التصدي» للدعاوى القضائية التي رفعها «ترامب» ضدهما.
وتعتمد استراتيجية «ترامب» في ولايته الثانية بشكل كبير على «المؤثرين» كأداة رئيسية لتعزيز نفوذه السياسي. هذه القوة الرقمية، التي تُمكنه من تشكيل الرأي العام وتوجيه المعركة السياسية لصالحه، تُبرز كأحد أبرز التحديات والمزايا في مشهد السياسة الأمريكية القادم. ومع استمرار صعود هذه الاستراتيجية، سيكون تأثيرها حاسمًا في تحديد ملامح المستقبل السياسي للولايات المتحدة.