دراسات وأبحاث

تصاعد غير مسبوق لهجمات المستوطنين في الضفة الغربية.. رقم قياسي يثير القلق الدولي

الأحد 09 نوفمبر 2025 - 12:09 ص
جهاد جميل
الأمصار

شهدت الضفة الغربية خلال شهر أكتوبر الماضي تصاعداً غير مسبوق في هجمات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين، حيث سجّل هذا الشهر رقماً قياسياً منذ بدء رصد هذه الاعتداءات في عام 2006، وفق بيانات الأمم المتحدة.

 هذا التصاعد المقلق يعكس توتراً متزايداً في المنطقة، ويطرح تساؤلات حادة حول المستقبل القريب لمساعي السلام وإمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.

 

الأرقام القياسية للعنف

وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد نفّذ المستوطنون الإسرائيليون خلال شهر أكتوبر ما لا يقل عن 264 هجوماً على الفلسطينيين، بمعدل متوسط 8 هجمات يومياً. 

 

وأوضح البيان أن هذه الاعتداءات أسفرت عن قتلى وإصابات وأضرار في الممتلكات الفلسطينية، مؤكداً أن وتيرة العنف شهدت ارتفاعاً حاداً خلال العام الحالي، حيث وصل إجمالي الهجمات منذ بداية 2025 إلى حوالي 1500 هجوم، أي ما يقارب 15% من الهجمات الموثّقة منذ عام 2006، والتي تجاوزت 9600 حادثة.

 

الضفة الغربية: محور الصراع المستمر

وتشكل الضفة الغربية، التي يقطنها نحو 2.7 مليون فلسطيني، محوراً أساسياً في المفاوضات الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقبلية إلى جانب إسرائيل. غير أن توسع المستوطنات الإسرائيلية بوتيرة متسارعة أسهم في تقسيم الأراضي وخلق واقع جديد يصعب تجاوزه، وفق وكالة "رويترز".

 ويعيش حالياً أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي في مناطق الضفة الغربية، في حين تعتبر الأمم المتحدة والفلسطينيون ومعظم دول العالم هذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو موقف ترفضه الحكومة الإسرائيلية.

الأطفال ضحايا النزاع

وأشار مكتب الأمم المتحدة إلى أن البيانات الميدانية تكشف عن مقتل 42 طفلاً فلسطينياً على أيدي القوات الإسرائيلية منذ بداية العام وحتى الأسبوع الماضي، وهو ما يمثل حوالي 20% من إجمالي القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال هذا العام. وأكد المكتب أن هذه الأرقام تضع ضغوطاً كبيرة على المجتمع الدولي، وتزيد من احتمالات تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.

 

التهدئة الهشة في ظل تصاعد الهجمات

وتأتي هذه الهجمات رغم إعلان وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة خلال حرب غزة الأخيرة في أكتوبر، والذي ساهم في تهدئة معظم القتال وإعادة بعض الرهائن.

 إلا أن استمرار الاعتداءات الفردية والمسلحة من قبل المستوطنين يشير إلى هشاشة هذا التهدئة، ويؤكد على الحاجة الماسة لمتابعة دقيقة وحماية المدنيين الفلسطينيين.

 

أبعاد العنف الاجتماعي والنفسي

ويشير محللون إلى أن هذه الهجمات المتكررة لا تقتصر على العنف الجسدي فحسب، بل تشمل أيضاً أعمال تخريب الممتلكات الزراعية والمنازل، وتهجير السكان من مناطقهم التقليدية، وهو ما يزيد من توترات طويلة الأمد بين الفلسطينيين والمستوطنين. 

كما يسلط التقرير الضوء على أبعاد نفسية واجتماعية لهذه الاعتداءات، إذ تؤثر على الأطفال والمجتمعات المحلية بشكل كبير، وتزيد من مخاطر تفاقم النزاع المستمر.

 

المجتمع الدولي والتحذيرات العاجلة

ويعتبر المجتمع الدولي هذه التطورات بمثابة مؤشر خطير على الانزلاق نحو أزمة أكبر، خاصة في ظل التوسع المستمر للمستوطنات وتراجع المساعي الدبلوماسية لإيجاد حل سلمي شامل. ومن بين أبرز الدعوات التي صدرت مؤخراً، دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل وتيرة العنف وحماية المدنيين، وضمان تطبيق القانون الدولي في الضفة الغربية.

 

الموقف الإسرائيلي ورد الفعل الدولي

على الجانب الإسرائيلي، لم ترد بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة حتى وقت إعداد التقرير على بيان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ما يفتح باب التكهنات حول موقف الحكومة الإسرائيلية الرسمي تجاه هذه التطورات، ومدى استعدادها للانخراط في حوار جاد حول الحد من العنف والمستوطنات.

 

تبعات سياسية واقتصادية محتملة

وبالإضافة إلى الأبعاد الإنسانية، يحمل هذا التصعيد في العنف تبعات سياسية كبيرة. فمع استمرار الاعتداءات، تصبح فرص التوصل إلى اتفاق سلام مستدام أكثر تعقيداً، وتزداد احتمالات اندلاع مواجهات جديدة، وهو ما يهدد استقرار المنطقة بأكملها. 

كما أن استمرار هذه الاعتداءات يضع ضغوطاً على الوساطات الدولية، بما في ذلك دور الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لإيجاد آليات فعالة لضمان وقف العنف وحماية المدنيين.

 

الانقسام الداخلي في إسرائيل وتأثيره

ويؤكد خبراء في الشؤون الإقليمية أن التصعيد الأخير يعكس أيضاً حالة من الانقسام الداخلي في إسرائيل، بين مؤيد لتوسيع المستوطنات ومطالب بحماية حقوق الفلسطينيين، ما يترك تأثيراً مباشراً على السياسة الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية. كما يشيرون إلى أن هذه الهجمات تعزز روايات فلسطينية عن انتهاكات مستمرة، وتزيد من حجم المعارضة الدولية لنشاطات المستوطنين في المنطقة.

 

مستقبل الضفة الغربية والتحديات القادمة

ويظل السؤال الأكبر مطروحاً حول مستقبل الضفة الغربية وحق الفلسطينيين في العيش بسلام وأمان على أراضيهم. فبينما يسعى المجتمع الدولي لتخفيف حدة التوتر ووقف الانتهاكات، يستمر الواقع الميداني في تسجيل أرقام قياسية للعنف، ما يضع الفلسطينيين في دائرة خطر مستمرة ويؤكد الحاجة الملحة لإجراءات عاجلة على الأرض.

في النهاية، يمثل شهر أكتوبر المنصرم تحذيراً شديد اللهجة من تصاعد العنف في الضفة الغربية، ويؤكد على أن أي جهود لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يجب أن تراعي هذا الواقع الميداني الخطير، وتتبنى استراتيجيات عملية لتقليل الانتهاكات وحماية المدنيين، وضمان احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان في هذه البقعة الحساسة من العالم.