في مواجهة جديدة تكشف عن عُمق الصراع السياسي في «الولايات المتحدة»، يبدو أن عُمدة نيويورك المنتخب حديثًا، الديمقراطي المسلم «زهران ممداني»، يُواجه تحديًا غير مسبوق من الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب». ففي خطوة قد تُغيّر ملامح العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وأكبر مدينة أمريكية، يُهدد «ترامب» بحجب التمويل الفيدرالي عن نيويورك، التي تعتمد بشكل كبير على مليارات الدولارات من واشنطن سنويًا. هذا التهديد قد يُشعل فتيل أزمة مالية في المدينة التي لا يُمكنها تصور مستقبلاً دون الدعم الفيدرالي.
مع دخول «ممداني» إلى مكتبه في وقت حساس، يتصاعد التوتر بين الجانبين، مما يُهدد بتصعيد النزاع إلى أبعاد قد تُؤثر على استقرار «نيويورك» السياسي والاقتصادي، وتكشف عن خطوط المواجهة الجديدة بين الجمهوريين والديمقراطيين في ظل إدارة ترامب الحالية.
ويُواجه زهران ممداني، الذي احتفل بانتخابه التاريخي عمدة لمدينة نيويورك، يوم الثلاثاء الماضي، غضب «ترامب»، الذي يُهدد بحجب التمويل الفيدرالي عن مدينة تعتمد على مليارات الدولارات من واشنطن العاصمة سنويًا.
من المفترض أن تتلقى مدينة نيويورك (7.4 مليار دولار) من الأموال الفيدرالية في السنة المالية (2026)، وفقًا لتحليل أجراه مكتب مراقب ولاية نيويورك، ويُمثل ذلك (6.4%) من ميزانية المدينة.
وتعتمد بعض هيئات المدينة بشكل خاص على الأموال الفيدرالية. على سبيل المثال، تحصل إدارة خدمات الأطفال على (39%) من تمويلها من واشنطن.
وتقف أفكار «ممداني» الطموحة لتعزيز القدرة على تحمل التكاليف في نيويورك الآن عند مفترق طرق مع «ترامب»، الذي يتوق لإحباط انتخاب العمدة، ويصفه بأنه رمز «شيوعي» للحزب الديمقراطي، حسبما أفاد موقع «أكسيوس» الأمريكي.
لطالما عبّر الرئيس الأمريكي عن معارضته لانتخاب نيويورك لممداني، الذي وصف نفسه بأنه «أسوأ كابوس لدونالد ترامب».
ويوم الإثنين، كرر ترامب تهديداته لنيويورك على موقعه للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» قائلًا: «إنه إذا فاز المرشح الشيوعي زهران ممداني بانتخابات عمدة مدينة نيويورك، فمن المستبعد جدًا أن أسهم بالأموال الفيدرالية، باستثناء الحد الأدنى المطلوب»، مُضيفًا: «أنه لا تُوجد أي فرصة أمام المدينة التي كانت عظيمة يومًا ما للنجاح في ظل حكم شيوعي».
وأضاف الرئيس ترامب: «لديّ قناعة راسخة بأن مدينة نيويورك ستكون كارثة اقتصادية واجتماعية شاملة حال فوز ممداني».
يعتقد بعض المُقربين من ترامب أنه «جاد في تهديده». ولم يُحدد الرئيس الأمريكي الأموال الفيدرالية التي قد يُحاول حجبها، لكنه قد يُعيق خطط «ممداني» لتوسيع تطوير وإنتاج المساكن بأسعار معقولة، وهو ركيزة أساسية في حملته الانتخابية. وقد يكون تمويل البنية التحتية أيضًا هدفًا، وفقًا لـ«أكسيوس».
يُذكر أن «الكونجرس»، وليس الرئيس، هو من يملك سلطة الإنفاق، ومن يُحدد الميزانية الفيدرالية في نهاية المطاف.
وفي السياق ذاته، ذكر «دوجلاس هولتز-إيكين»، رئيس منتدى العمل الأمريكي المحافظ، المدير السابق لمكتب الميزانية في الكونجرس، وهو مكتب غير حزبي، «إن هناك برامج استحقاق واسعة النطاق يستفيد منها سكان نيويورك ولا يُمكن تقليصها».
ومع ذلك، قال هولتز-إيكين: «إنه من المحتمل أن يلغي ترامب المنح الفردية الممنوحة للوزارات».
من جانبه؛ رفض «ممداني» تحذيرات ترامب بشأن حجب التمويل، واصفًا إياها بأنها «تهديد وليس قانونًا»، مُضيفًا: «في كثير من الأحيان، نتعامل مع كل ما يصدر عن ترامب كما لو كان قانونيًا بالفعل، لمجرد من يقوله».
وفي ظل تصاعد التوترات بين الرئيس الأمريكي، «ترامب»، وعمدة نيويورك المنتخب «ممداني»، تظل الأنظار مشدودة إلى تطورات هذا الصراع الذي قد يكون له تداعيات بعيدة المدى على المدينة وأمنها المالي. تهديد ترامب بحجب التمويل الفيدرالي عن نيويورك ليس مجرد خطوة سياسية، بل هو سلاح قد يُهدد استقرار المدينة التي تعتمد على دعم واشنطن بشكل كبير. في الوقت الذي يسعى فيه ممداني لفرض رؤيته الإصلاحية والعدالة الاجتماعية، يُواجه الآن معركة غير متوقعة مع إدارة ترامب التي تبدو عازمة على اختبار عزيمة عمدة نيويورك الجديد. ومع كل خطوة جديدة في هذا الصراع، يظل المستقبل المالي للمدينة على المحك، وسبيلها الوحيد للتقدم قد يمر عبر استراتيجيات مُعقّدة لتهدئة الغضب الفيدرالي دون التفريط في المبادئ التي انتخب من أجلها ممداني.