تعيش الفلبين واحدة من أصعب فصولها الإنسانية في السنوات الأخيرة، بعد أن ضربها إعصار "تينو" العنيف مخلّفًا كارثة بشرية ومادية واسعة النطاق.

فبينما تواصل فرق الإنقاذ جهودها لانتشال الضحايا وإغاثة المنكوبين، تتكشف يوماً بعد يوم حجم المأساة التي حلت بالبلاد، إذ ارتفعت حصيلة القتلى إلى 140 شخصًا فيما لا يزال 127 آخرون مفقودين تحت الأنقاض أو في المناطق المنعزلة التي دمرتها الفيضانات والانهيارات الأرضية.
ويأتي هذا الإعصار في وقت تعاني فيه الفلبين من سلسلة كوارث طبيعية متتالية زادت من معاناة سكانها وأرهقت بنيتها التحتية، ما يسلّط الضوء مجددًا على تأثيرات التغير المناخي المتسارعة التي تجعل الأعاصير أكثر عنفًا وتواترًا في منطقة تُعدّ من الأكثر عرضة للعواصف المدارية في العال

.
ارتفعت حصيلة ضحايا إعصار "تينو" المدمر الذي ضرب مناطق واسعة من الفلبين خلال الأيام الماضية إلى 140 قتيلًا على الأقل، فيما لا يزال 127 شخصًا في عداد المفقودين، وفق ما أعلن المجلس الوطني للحد من مخاطر الكوارث وإدارتها اليوم الخميس.
وقال المجلس إن الإعصار الذي اجتاح الجزر الوسطى والجنوبية من البلاد أثر على أكثر من 706 آلاف شخص، بينهم 348 ألف مواطن اضطروا إلى اللجوء لمراكز الإيواء المؤقتة بعد أن فقدوا منازلهم أو تضررت بشكل كبير جراء الرياح العاتية والفيضانات.

وأضاف المجلس أن 53 مدينة وبلدة أعلنت حالة الكارثة، وهو ما يتيح للحكومات المحلية استخدام أموال الطوارئ وتطبيق إجراءات عاجلة مثل تجميد أسعار السلع الأساسية وضمان توفير المواد الغذائية والمياه والمساعدات الطبية للمتضررين.
وأشارت تقارير محلية إلى أن العديد من المناطق ما زالت معزولة تمامًا بسبب انهيارات أرضية وانقطاع الطرق الرئيسية، بينما تضررت شبكات الكهرباء والاتصالات في مناطق واسعة، مما صعّب من جهود فرق الإنقاذ والإغاثة.
وسجلت جزيرة سيبو أعلى عدد من الوفيات بواقع 39 حالة وفاة، في حين تم تسجيل وفاة واحدة في جزيرة بوهول، فيما تتواصل عمليات البحث في المناطق الجبلية والقرى الساحلية التي غمرتها المياه. ومع استمرار تدفق المعلومات من الميدان، يُتوقع أن ترتفع حصيلة الضحايا خلال الساعات المقبلة.
من جانبه، أعلن الجيش الفلبيني أن مروحية من طراز “هوي” تحطمت أثناء تنفيذ مهمة إنسانية لإيصال الإمدادات في إقليم أجوسان ديل سور بجزيرة مينداناو، ما أسفر عن مقتل جميع أفراد طاقمها الستة. وأوضح بيان الجيش أن التحقيقات لا تزال جارية لمعرفة أسباب الحادث، مرجحًا أن الظروف الجوية القاسية لعبت دورًا رئيسيًا في سقوط الطائرة.

ويُعد إعصار "تينو" واحدًا من أعنف الأعاصير التي ضربت الفلبين هذا العام، في وقت يحذر فيه العلماء من أن التغير المناخي الناتج عن أنشطة الإنسان يجعل العواصف المدارية أكثر شدة وتواترًا. وأوضح خبراء الأرصاد أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات وزيادة رطوبة الغلاف الجوي يساهمان في تعزيز قوة الأعاصير وتساقط كميات هائلة من الأمطار خلال فترات زمنية قصيرة.
وقال خبير المناخ في جامعة الفلبين، الدكتور مارك ديلاروزا، إن “الأعاصير التي كانت تستغرق أيامًا لتكتسب قوتها أصبحت الآن تتشكل خلال ساعات قليلة فقط، وتضرب المناطق الساحلية بسرعة مدمّرة”، مشيرًا إلى أن البلاد تحتاج إلى “إستراتيجية وطنية جديدة للتكيف مع الواقع المناخي المتغير”.

تتعرض الفلبين، وهي أرخبيل يضم أكثر من 7 آلاف جزيرة، لما يقارب 20 إعصارًا سنويًا، وغالبًا ما تكون المناطق الفقيرة هي الأكثر تأثرًا بسبب ضعف البنية التحتية وسوء التخطيط العمراني. وتُعد التجمعات السكنية العشوائية على السواحل الأكثر عرضة للخطر، حيث تتسبب الرياح القوية في اقتلاع المنازل الخشبية وغمر الأحياء بالمياه.
وقالت منظمات إغاثة إنسانية إن الوضع الإنساني مقلق للغاية، خصوصًا في الأقاليم الشرقية التي تضررت أيضًا من زلزال قوي الشهر الماضي. وأوضحت منظمة الصليب الأحمر الفلبيني أن فرقها تعمل على توفير المياه النظيفة والمواد الغذائية والمأوى لما يقارب 100 ألف شخص في المناطق المنكوبة.

وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن حالة الطوارئ الوطنية عقب مرور إعصار "تينو"، إضافة إلى إعصار آخر محلي يعرف باسم "كالماجي"، والذي تسبب هو الآخر بمقتل وفقدان 241 شخصًا في وقت سابق من هذا العام.
وأكد ماركوس أن حكومته تعمل على تسريع عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن "الأولوية القصوى الآن هي إنقاذ الأرواح وتوفير المأوى والطعام للناجين". وأضاف أن الحكومة ستخصص ميزانية إضافية من صندوق الكوارث الوطني لدعم المناطق المتضررة وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والمدارس والمستشفيات.

وعلى الرغم من أن إعصار "تينو" فقد جزءًا من قوته بعد مروره بالمناطق الساحلية، إلا أن الرياح ما زالت تصل سرعتها إلى 120 كيلومترًا في الساعة مع هبات بلغت 165 كيلومترًا في الساعة، ما يبقي خطر الفيضانات والانهيارات قائماً.
كما تم إجلاء عشرات الآلاف من السكان في مناطق بيسايا وجنوب لوزون وشمال مينداناو تحسبًا لأي طارئ، فيما تواصل السلطات عمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها برًا.

ويأتي هذا الإعصار في وقت لا تزال فيه الفلبين تحاول التعافي من سلسلة كوارث طبيعية متلاحقة خلال الأشهر الماضية، في مشهد يعكس هشاشة الوضع البيئي والمناخي في واحدة من أكثر دول العالم عرضة للأعاصير.
ومع استمرار جهود الإنقاذ والتعافي، يبقى السؤال المطروح بين الخبراء والمواطنين على حد سواء: إلى متى ستظل الفلبين تدفع ثمن التغير المناخي دون حلول جذرية؟