دراسات وأبحاث

نتنياهو يلوّح بانتخابات مبكرة.. القضاء يشعل المشهد السياسي الإسرائيلي

الأربعاء 05 نوفمبر 2025 - 07:02 م
هايدي سيد
الأمصار

تشهد الساحة السياسية في إسرائيل حالة غير مسبوقة من الجدل بعد تسريبات إعلامية كشفت عن نية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دراسة خيار إجراء انتخابات مبكرة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في خطوة يرى مراقبون أنها قد تكون محاولة للهروب إلى الأمام في مواجهة أزماته القضائية والسياسية المتصاعدة.

ووفقًا لتقارير صادرة عن وسائل إعلام عبرية، فإن نتنياهو عقد خلال الأيام الماضية سلسلة من الاجتماعات الداخلية مع دائرته الضيقة من المستشارين السياسيين، لبحث إمكانية حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة، في ظل ما يصفه أنصاره بـ"تغير المزاج العام في الشارع الإسرائيلي" لصالح حزب الليكود الذي يتزعمه.

خلفية الأزمة: فضيحة المدعية العامة العسكرية

الشرارة التي أعادت الحديث عن الانتخابات المبكرة لم تكن سياسية خالصة، بل قضائية الطابع. فقد جاءت على خلفية الفضيحة التي تورطت فيها المدعية العامة العسكرية السابقة يفعات تومر–يروشلمي، والتي تم توقيفها مؤخرًا بعد استقالتها من منصبها، إثر اعترافها بأن مكتبها كان وراء تسريب مقطع فيديو يُظهر جنودًا إسرائيليين يعتدون على معتقل فلسطيني داخل أحد السجون العسكرية عام 2024.

وأثار هذا الحادث موجة غضب واسعة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث أعلن الجيش في بيان رسمي أنه فتح تحقيقًا داخليًا في الحادثة التي وصفت بأنها "إخلال جسيم بالقيم العسكرية". وجاءت استقالة يروشلمي عقب هذا البيان مباشرة، قبل أن تعلن الشرطة العسكرية اعتقالها لاستكمال التحقيقات.

هذه الفضيحة، رغم طابعها القانوني، سرعان ما تحولت إلى أداة سياسية بيد نتنياهو، إذ يرى مقربون منه أن بإمكانه استغلالها ضمن حملته ضد النظام القضائي الإسرائيلي، الذي طالما وصفه بأنه "منحاز" و"يستهدفه سياسيًا" في قضايا الفساد المرفوعة ضده.

نتنياهو ومأزق القضاء

رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يحكم منذ سنوات طويلة، يواجه بالفعل اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا فساد معروفة إعلاميًا بـ"الملفات 1000 و2000 و4000". ورغم نفيه المستمر لهذه التهم واعتباره أن "القضاء جزء من مؤامرة لإسقاطه سياسيًا"، إلا أن القضية ما زالت تلاحقه في المحاكم الإسرائيلية منذ عام 2019.

ويرى محللون أن هذه الملفات تمثل العقبة الأكبر أمام نتنياهو، وأن فكرة إجراء انتخابات مبكرة قد تمنحه فرصة جديدة لإعادة ترتيب المشهد السياسي، وكسب "تفويض شعبي" يستخدمه في الضغط على القضاء أو في الدفع نحو تعديلات قانونية تقلص من سلطات المحكمة العليا، وهو مشروع كان الليكود يسعى لتمريره العام الماضي وواجه معارضة شعبية واسعة.

ويقول الخبير السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن في تصريحات نقلتها صحيفة "معاريف"، إن نتنياهو يحاول استثمار حالة الغضب الشعبي ضد القضاء بعد فضيحة المدعية العامة، مضيفًا: "هو يدرك أن المزاج العام الآن يمكن توجيهه ضد المنظومة القضائية، وبالتالي يقدّر أن الانتخابات المبكرة قد تمنحه أغلبية أكثر استقرارًا لتعديل القوانين بما يخدم مصالحه السياسية والقضائية."

الاعتبارات السياسية داخل الحكومة

ورغم أن نتنياهو لم يحسم قراره رسميًا حتى الآن، إلا أن تسريبات من داخل حزب الليكود تشير إلى انقسام في صفوف الائتلاف الحاكم حول فكرة الانتخابات المبكرة.

فبينما يرى بعض الوزراء المقربين منه، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وزعيم حزب "قوة يهودية"، أن الوقت "مثالي" لإعادة خوض الانتخابات وسط تراجع ثقة الشارع في المعارضة، فإن آخرين، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يحذرون من أن تفكيك الحكومة الآن سيضعف اليمين المتشدد ويفتح الباب أمام عودة أحزاب الوسط بزعامة يائير لابيد وبيني غانتس.

وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن نتنياهو يوازن بين مصلحته الشخصية القانونية ومصلحة الائتلاف الحاكم، خاصة وأن أي انتخابات جديدة قد تُعيد تشكيل الخريطة السياسية بطريقة لا يمكن التنبؤ بها.

القضاء في قلب العاصفة

منذ بداية العام الجاري، تشهد إسرائيل توترًا مستمرًا بين الحكومة والمؤسسة القضائية، بعدما حاولت حكومة نتنياهو تمرير مشروع "إصلاح قضائي" يحد من صلاحيات المحكمة العليا ويمنح الكنيست سلطة أكبر في تعيين القضاة.

هذا المشروع أثار مظاهرات حاشدة في تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى، وواجه انتقادات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، باعتباره تهديدًا لاستقلال القضاء وتقويضًا لمبادئ الديمقراطية في إسرائيل.

ومع عودة الحديث عن الانتخابات المبكرة، يخشى المراقبون من أن يعيد نتنياهو إحياء خطاب المواجهة مع القضاء لكسب تأييد اليمين المتشدد، في وقت يشهد فيه المجتمع الإسرائيلي انقسامًا سياسيًا حادًا بين مؤيديه ومعارضيه.

تحليل الموقف: خطوة محسوبة أم مقامرة سياسية؟

يرى مراقبون أن طرح نتنياهو لفكرة الانتخابات المبكرة يأتي في إطار مناورة سياسية دقيقة أكثر منها رغبة فعلية في خوض انتخابات جديدة، خصوصًا وأن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن الليكود قد لا يحقق أغلبية مريحة إذا جرت الانتخابات قريبًا.

إلا أن البعض الآخر يرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتاد "اللعب على حافة الهاوية"، وأنه يستخدم ورقة الانتخابات كوسيلة لإعادة ضبط التوازن داخل الائتلاف، والضغط على شركائه لتمرير قرارات تصب في مصلحته، خاصة تلك المتعلقة بالقضاء.

في هذا السياق، يقول المحلل الإسرائيلي عومري نحمان لصحيفة "هآرتس": "نتنياهو يستخدم القضاء كسلاح سياسي، ويستغل كل أزمة قانونية لتصوير نفسه ضحية لمؤسسة تحاول إسقاطه.

 هذا الخطاب يلقى صدى لدى ناخبي اليمين الذين يشعرون أن القضاء الإسرائيلي أصبح أكثر ليبرالية من المجتمع نفسه."

المعارضة: “محاولة للهروب من المحاكمة”

من جانبها، اعتبرت المعارضة الإسرائيلية أن مجرد طرح فكرة الانتخابات المبكرة هو "هروب سياسي" من محاكمة نتنياهو المستمرة.

وقال زعيم المعارضة يائير لابيد في تصريح رسمي: "إسرائيل لا تحتاج إلى انتخابات جديدة كل عامين بسبب أزمات نتنياهو الشخصية.

 ما تحتاجه هو قيادة صادقة تُعيد الثقة في الدولة ومؤسساتها."

أما زعيم حزب "الوحدة الوطنية" بيني غانتس، فأكد أن "أي انتخابات جديدة في هذا التوقيت ستزيد من انقسام المجتمع الإسرائيلي"، داعيًا الحكومة إلى التركيز على الملفات الأمنية والاقتصادية بدلًا من الدخول في معارك سياسية عبثية.

اسرائيل على صفيح ساخن

بين فضيحة المدعية العامة العسكرية وتصاعد الصراع بين الحكومة والقضاء، يبدو أن إسرائيل تقف على مفترق طرق سياسي حساس. فقرار نتنياهو، سواء بالمضي في خيار الانتخابات المبكرة أو التراجع عنه، سيكون له تأثير مباشر على مستقبل الائتلاف الحاكم وعلى موقع القضاء الإسرائيلي في النظام السياسي.

وفي ظل غياب أي مؤشرات على تهدئة الصراع بين المؤسستين السياسية والقضائية، فإن المشهد الإسرائيلي مرشح لمزيد من الاستقطاب والتجاذب خلال الفترة المقبلة، مع احتمالات مفتوحة على جميع الاتجاهات — من استمرار الحكومة الحالية إلى انتخابات مفاجئة قد تعيد رسم ملامح السياسة الإسرائيلية بالكامل.