في مفاجأة سياسية مُدوّية، تمكّن «زهران ممداني» من تحقيق فوز تاريخي في الانتخابات البلدية لمدينة «نيويورك»، ليُصبح أول مسلم يُنتخب عُمدة للمدينة العريقة. رغم الحملة الشرسة التي شنها الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، والضغط المُستمر من «اللوبي الصهيوني»، استطاع «ممداني» أن يتغلب على كل التحديات التي كانت تقف في طريقه. فوزه لا يُمثّل مُجرد إنجاز شخصي، بل يعد بمثابة نقطة تحوّل في تاريخ السياسة الأمريكية، ويعكس تغيرًا جذريًا في مفاهيم التعددية والقبول السياسي في البلاد. وسط حالة من الجدل السياسي والصراع على السُلطة، يبعث هذا الانتصار برسالة قوية حول قدرة الطموح على كسر الحواجز، ويُعيد رسم «ملامح السياسة الأمريكية» في مواجهة التحوّلات العالمية الراهنة.
وخاض «ممداني»، البالغ من العمر (33) عامًا، سباق الانتخابات مُمثلًا عن الحزب «الديمقراطي»، مُتغلبًا على كل من المرشح الجمهوري «كورتيس سليوا» (71 عامًا)، والمرشح المستقل «أندرو كومو» (67 عامًا)، المدعوم من «ترامب».

ينحدر «ممداني» من أصول هندية، وُلد في أوغندا، قبل أن يُهاجر إلى الولايات المتحدة ويحصل على جنسيتها عام 2018. وقد نجح في تحقيق هذا الفوز رغم الضغوط والتهديدات التي واجهها، حيث كان «ترامب» قد لوّح سابقًا بوقف التمويل الفيدرالي عن نيويورك في حال فوزه.
وتعرّض «ممداني» لحملات هجوم متواصلة بسبب مواقفه المُؤيدة لفلسطين، وإدانته الصريحة لسياسات إسرائيل، بل وصل به الأمر إلى التهديد باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو» إذا دخل نيويورك، مقرّ الأمم المتحدة.

ويعكس هذا الفوز تحوّلًا لافتًا في «المزاج السياسي الأمريكي»، خصوصًا بين القطاعات الشابة التي تميل نحو العدالة الاجتماعية وترفض اليمين الشعبوي الترامبي.
وقد نال «ممداني» دعمًا واسعًا ببرنامجه الانتخابي الذي يُركّز على «تجميد الإيجارات، وتوسيع خدمات النقل العام، ورفع أجور العمال، وفرض ضرائب تصاعدية على الشركات الكبرى».
ويرى مراقبون أن فوز «ممداني» يُمثّل انتصارًا للديمقراطية الأمريكية ذاتها، التي سمحت لشاب مسلم مهاجر يحمل هذه المواقف الجريئة بأن يتولى قيادة أهم مدينة في العالم.
- وُلِد زهران ممداني في كامبالا، أوغندا، ونشأ هناك ثم قضى فترة قصيرة في جنوب أفريقيا حتى بلغ السابعة من عمره، عندما انتقلت عائلته إلى نيويورك.
- نشأ في كنف والدته صانعة الأفلام «ميرا ناير»، المعروفة بفيلمها الكوميدي الدرامي (Monsoon Wedding) عام 2001، ووالده «محمود ممداني»، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا.
- التحق بمدرسة عامة ودرس في مدرسة برونكس الثانوية للعلوم.
- حصل على درجة في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين، حيث شارك في تأسيس أول فرع لمنظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» في المدرسة.
- حصل على الجنسية الأمريكية في عام 2018، وعمل كمستشار إسكان لمنع حبس الرهن العقاري.
- تزوج زهران ممداني من «راما دوجي»، وهي فنانة سورية أمريكية تعرف عليها عبر تطبيق المواعدة «هينج»، في وقت سابق من هذا العام، بحسب «سكاي نيوز».
إن فوز «زهران ممداني» بمنصب عُمدة نيويورك يُمثّل أكثر من مجرد انتصار سياسي، بل هو لحظة فارقة في تاريخ المدينة وأمريكا ككل. رغم التحديات السياسية الضخمة التي واجهها، بما في ذلك الحملات المُضادة التي قادها الرئيس «ترامب» والضغوط الهائلة من «اللوبي الصهيوني»، استطاع «ممداني» أن يُثبت أن الإرادة السياسية والطموح لا يعرفان حدودًا. هذا الفوز التاريخي يعكس تحوّلات جذرية في التفكير السياسي والاجتماعي، ويُؤكّد أن مدينة «نيويورك»، التي لطالما كانت رمزًا للتعددية والقبول، تظل أرضًا خصبة لفرص جديدة في ظل القيادة المتجددة. اليوم، يبدأ «ممداني» رحلة جديدة لا تُسجّل فقط في صفحات التاريخ السياسي، بل ترسم ملامح المستقبل في دولة تعددت تحدياتها وصراعاتها، لكن في النهاية، تصنع فيها الإرادة التغيير.