في مشهد يليق بعظمة التاريخ المصري، افتتحت مصر المتحف المصري الكبير، أضخم صرح أثري وثقافي في القرن الحادي والعشرين، ليصبح ليس مجرد متحف، بل رسالة حضارية إلى العالم تُجسد قدرة المصريين على صون ماضيهم وصناعة مستقبلهم.
ومع هذا الافتتاح التاريخي، عاد الجدل العالمي حول مصير القطع الأثرية المصرية المهربة، وعلى رأسها رأس نفرتيتي وحجر رشيد، اللذين يمثلان رمزين خالدين للحضارة المصرية القديمة وسفيرين مسلوبين للهوية الوطنية.
تميزت الملكة نفرتيتي بمكانة فريدة وجمال أسطوري وهو ما تجسد في ملامح تمثالها، ليصبح حديث العالم وأحد أعظم الكنوز الأثرية على الإطلاق، ما دفع الملايين سنويًا إلى زيارة متحف «نيوس» في برلين لمشاهدة هذا الأثر الرائع عن قرب.
رأس نفرتيتي، فهو تمثال نصف مدهون من الحجر الجيري، نُحت بيد الفنان المصري تحتمس عام 1345 قبل الميلاد، أي قبل أكثر من 3300 عام. التمثال يجسد ملكة مصر الجميلة وزوجة الفرعون إخناتون، وقد تحول إلى رمز عالمي للجمال الأنثوي والحضارة المصرية في أوج مجدها.
اكتشف التمثال فريق تنقيب ألماني بقيادة عالم المصريات لودفيج بورشاردت في تل العمارنة عام 1912، ومنذ ذلك الحين ظل معروضًا في متاحف ألمانيا، رغم مطالب مصر المستمرة بإعادته. ويؤكد خبراء الآثار أن التمثال خرج بطرق غير قانونية، في ظل ضعف القوانين الدولية آنذاك التي سمحت باستغلال الحفريات الأثرية ونقل كنوز الحضارات إلى الخارج.
خرج من مصر في سبتمبر (أيلول) 1913، ليستقر في متحف برلين حتى اليوم، وبينما لا يزال الخلاف قائماً بين القاهرة وبرلين حول مشروعية خروجه، إذ تؤكد مصر أنه غادر البلاد بطرق غير قانونية، تتمسّك مؤسسة التراث الثقافي البروسي (مؤسسة حكومية ألمانية تعنى بالتراث الألماني) بأن نقله جرى وفق نظام تقسيم المكتشفات الأثرية الذي كان معمولاً به آنذاك.
يعني اسم نفرتيتي في اللغة المصرية القديمة «الجميلة أتت»، وهي زوجة الملك أمنحوتب الرابع أو أخناتون، وكانت تُعتبر سيدة العمارنة، فكان لها دور كبير في مساندة زوجها أثناء الحكم، كما أنها أيَّدته وأصبحت شريكته في تغيير العبادة الدينية من الإله آمون إلى عبادة إله الشمس آتون، الذي جُسِّد على شكل قرص للشمس تخرج منه أيادٍ بشرية تحمل اسم «غنخ» ما يعني الحياة.
وفي عبارة حب دوَّنها أخناتون لزوجته نفرتيتي والتي تُعتبر من أشهر الصور الرومانسية في تاريخ الحضارة المصرية القديمة قال لها: «أنت لست الوحيدة التي خلقها الإله في الدنيا، لكنك أنت الوحيدة التي خلقها الإله في قلبي».
وقد أطلق أخناتون على زوجته نفرتيتي عدة ألقاب هي «سيدة النعمة، حلوة الحب، سيدة الأرضين، محبوبته وسيدة كل النساء».

ويتزايد الجدل حول طبيعة الطلبات المصرية لاستعادة رأس نفرتيتي، فيما تشير وسائل إعلام محلية إلى أن مصر، بعد الحرب العالمية الثانية، تقدمت بطلب رسمي إلى مجلس الرقابة على الحلفاء المسؤول آنذاك عن الممتلكات الفنية في ألمانيا.
وفي سبتمبر من العام الماضي، قال عالم الآثار المصري زاهي حواس في تصريحات إنه خلال توليه رئاسة المجلس الأعلى للآثار أرسل خطاباً إلى الحكومة الألمانية يطالب فيه باستعادة رأس نفرتيتي، إلا أن الرد جاء بطلب أن يوقع الوزير على الخطاب.
وقال خالد العناني، حين كان وزيراً للسياحة والآثار، الذي تولى لاحقاً منصب المدير العام لمنظمة "اليونيسكو"، في تصريحات متلفزة إن ألمانيا تتمسك برأس نفرتيتي، مؤكداً تمسك مصر بعودته مرة أخرى إلى بلاده.
في حين، أورد تقرير "دويتشه فيله" نشر في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أن مؤسسة التراث الثقافي البروسي قالت إن تمثال نفرتيتي النصفي منح للجانب الألماني بطريقة قانونية ضمن نظام تقسيم الآثار المعتاد آنذاك بين بعثات التنقيب، وأشارت المؤسسة إلى أنه لا يوجد أي طلب رسمي من الحكومة المصرية لاستعادة التمثال، وأضافت أن متاحف برلين تتعاون منذ عقود مع متاحف الدول التي تنتمي إليها مقتنياتها الأصلية، مؤكدة أن المؤسسة تحافظ على تواصل مستمر مع وزارة السياحة والآثار المصرية.