على الرغم من التحديات التي يُواجهها «السودان» في الساحة السياسية الدولية، يبدو أن رئيس الوزراء السوداني، «كامل إدريس»، قد قرر اتخاذ خطوة جريئة. فقد أنهى مهام أحد المسؤولين البارزين في «وزارة الخارجية»، وذلك بسبب ارتباطه بمنظمة دولية أثارت الجدل في الآونة الأخيرة. فما هي العوامل التي دفعت رئيس الوزراء لاتخاذ هذا القرار الصادم؟ وكيف سيُؤثر ذلك على علاقات السودان الدولية؟
وفي التفاصيل، أعفى رئيس الوزراء السوداني، «كامل إدريس»، وكيل وزارة الخارجية «السفير حسين الأمين» من منصبه، على خلفية قيام الأخير بطرد مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي ومديرة قسم العمليات.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن «رئيس الوزراء عبّر عن غضبه الشديد من قرار الطرد، ووجه وزير الخارجية محي الدين سالم بإبلاغ الوكيل بمغادرة مقر عمله فورا، في خطوة اعتبرت ردًا مباشرًا على تصعيد غير منسق مع القيادة التنفيذية».
وكان «السفير حسين الأمين» قد برر قرار الطرد بأنه «جاء بعد رصد تجاوزات خطيرة من قِبل المسؤولين الأمميين، تمس سيادة البلاد وتقدح في حيادية المنظمة الدولية»، مُشيرًا إلى أن «الأجهزة المختصة رفعت تقارير تُؤكّد احتفال المسؤولين بسقوط مدينة الفاشر، ما اعتبره مخالفة جسيمة تستدعي الإبعاد الفوري».
وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد التوتر بين الحكومة السودانية والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة إنسانية مُتفاقمة.
وفي وقت سابق، دعت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي عن الكتلة الجمهورية السُلطات السودانية إلى التراجع الفوري عن قرار طرد مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي، «لوران بوكيرا»، ومديرة قسم العمليات، «سمانثا كاتراج»، وضمان وصول المساعدات الدولية إلى جميع المحتاجين دون أي عوائق أو تمييز. كما حذرت من أن استمرار هذا النهج سيُؤدي إلى «مضاعفة الكارثة الإنسانية التي تُهدد حياة ملايين المدنيين».
على صعيد آخر، بين ركام الحرب وصمت العالم، يعلو صراخ الجياع في «الفاشر»، المدينة التي تحوّلت إلى شاهدٍ حي على أسوأ مآسي «السودان». هنا لا يسقط الناس بالرصاص، بل يسقطون فرادى بصمت، قتلى الجوع والإهمال والنسيان.
وفي هذا الصدد، كشفت «مفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور»، عن وفاة (229) شخصًا جوعًا ، بينهم (171) طفلًا و(58) مُسنًا، في مدينة «الفاشر» السودانية المُحاصرة منذ أواخر أغسطس الماضي.
وبحسب التقرير الذي نشرته «سودان تربيون»، بلغ إجمالي عدد القتلى في المدينة بسبب الحصار والقتال (675) شخصًا، بينما وصل عدد المصابين إلى (1464) شخصًا، من بينهم مئات الأطفال والنساء.
ويعيش أكثر من (74) ألف شخص، بينهم (38) ألف طفل، أوضاعًا إنسانية بالغة السوء داخل المدينة المُحاصرة، حيث اضطر السكان إلى تناول جلود الحيوانات و«الأمباز» - وهو علف حيواني - للبقاء على قيد الحياة.
وأشار التقرير إلى انهيار النظام الغذائي في المدينة، حيث لم يعد سوى (6) مطابخ خيرية تعمل بشكل مُستمر، بينما توقف (15) مطبخًا آخر عن العمل جزئيًا بسبب نقص التمويل والتهديدات الأمنية.
وطالبت المفوضية بالتحرك العاجل لمواجهة هذه «الكارثة الإنسانية»، داعية إلى فك الحصار عن «الفاشر» فورًا وإرسال مواد غذائية عاجلة عبر الإسقاط الجوي، ومُشددة على ضرورة فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات وإجلاء المصابين، وتوفير الإمدادات الطبية اللازمة للمراكز الصحية المتبقية في الخدمة.
من ناحية أخرى، على أرض «الفاشر» التي ارتوت بدماء الأبرياء، ارتفعت أصوات الرصاص والقصف المدفعي مُجددًا، مُسجّلةً مجزرة جديدة بضحايا مدنيين لا حول لهم ولا قوة، بينما ينزف «السودان» جرحه العميق بلا هوادة.