دراسات وأبحاث

الانتخابات العراقية 2025.. ساحة تنافس أميركي – إيراني على رسم مستقبل الحكومة في بغداد

السبت 01 نوفمبر 2025 - 01:15 ص
مصطفى سيد
الأمصار

تشهد الساحة السياسية في العراق حالة من الغليان مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية لعام 2025، وسط تصاعد التنافس الدولي والإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران على رسم ملامح المرحلة المقبلة وتحديد طبيعة الحكومة القادمة في بغداد، في ظل مشهد سياسي معقد تتداخل فيه المصالح والأجندات وتتنازع فيه القوى المحلية الولاءات بين الشرق والغرب.

تنافس محموم على النفوذ

يرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد استحقاق ديمقراطي داخلي، بل ميدان مواجهة غير مباشرة بين واشنطن وطهران. فالبلد الذي يعاني من أزمات اقتصادية وأمنية مزمنة، أصبح اليوم ساحة اختبار جديدة لإعادة توازن القوى في المنطقة.
ويؤكد خبراء أن نتائج الانتخابات العراقية القادمة ستحدد ما إذا كان العراق سيمضي في طريق الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة، أم سيظل ضمن محور النفوذ الإيراني الممتد عبر الفصائل المسلحة والأحزاب الموالية لطهران.

ويشير المحلل السياسي العراقي علي كريم إلى أن "الملفات الحساسة مثل الوجود العسكري الأميركي في العراق، ومستقبل الفصائل المسلحة، والتأثير الإيراني على القرار السياسي، جميعها ستكون محور الصراع الأساسي خلال الحملات الانتخابية"، مضيفًا أن "الولايات المتحدة تسعى لدعم قوى مدنية وعلمانية قادرة على تقليص نفوذ المليشيات الموالية لإيران، بينما تعمل طهران على ضمان بقاء حلفائها في مواقع السلطة".

الدور الأمريكي.. بين الضغط والدبلوماسية

الولايات المتحدة، التي لا تزال تحتفظ بوجود عسكري محدود في العراق تحت عنوان “التدريب والاستشارات”، تراقب التطورات بدقة.
وفي خطوة تعكس اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالملف العراقي، عيّن الرئيس مؤخراً مارك سافايا مبعوثاً خاصاً له إلى العراق، في مهمة اعتبرها مراقبون “شديدة الحساسية” قبل الانتخابات.

وبحسب تقرير نشرته وكالة “روج نيوز” الكردية، فإن مهمة سافايا الأساسية تتمثل في العمل على إنهاء نفوذ الفصائل المسلحة، والسعي لحل هيئة الحشد الشعبي التي تشكل أحد أبرز أذرع إيران داخل العراق. كما سيتولى المبعوث الأمريكي مهمة “إعادة توجيه العلاقات العراقية مع واشنطن بما ينسجم مع المصالح الأمريكية في المنطقة”.

ويرى مراقبون أن واشنطن تسعى من خلال هذا التحرك إلى إعادة رسم المشهد السياسي العراقي على نحو يحدّ من تأثير طهران ويعزز حضور القوى الليبرالية والمستقلة داخل البرلمان المقبل، تمهيدًا لتشكيل حكومة أكثر توازناً في علاقاتها الخارجية.

النفوذ الإيراني.. شبكة معقدة من التحالفات

في المقابل، تتحرك إيران على عدة مستويات للحفاظ على مكاسبها السياسية في بغداد، بعد سنوات من النفوذ المتغلغل داخل مؤسسات الدولة العراقية.
فمن خلال شبكة واسعة من الأحزاب الدينية والمليشيات المسلحة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر، تعمل طهران على ضمان استمرار نفوذها السياسي والعسكري داخل البلاد.

ويقول الباحث في الشؤون الإيرانية جواد الهاشمي إن "إيران تنظر إلى العراق باعتباره عمقاً استراتيجياً وأمنياً، وأي تراجع لنفوذها هناك يعني خسارة محور المقاومة الذي يربط طهران ببيروت مرورًا بدمشق وبغداد".
ويضيف أن "طهران تمتلك أدوات سياسية واقتصادية داخل العراق، بدءاً من الدعم المالي للأحزاب، مروراً بالتأثير الإعلامي، وصولاً إلى القوة الميدانية للفصائل التي تمتلك نفوذاً فعلياً في الشارع".

تركيا والخليج.. حضور إقليمي متزايد

لا يقتصر التنافس على الولايات المتحدة وإيران، إذ تدخل تركيا ودول الخليج العربي على خط المعادلة العراقية، كلٌ وفق مصالحه.
فأنقرة التي تمتلك وجوداً عسكرياً في شمال العراق بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، تحاول توسيع حضورها الاقتصادي عبر مشاريع الطاقة والتبادل التجاري.
أما بعض الدول الخليجية، فتسعى إلى موازنة النفوذ الإيراني عبر دعم قوى سنية ومدنية يمكنها أن تكون شريكاً محتملاً في أي حكومة قادمة.

ويشير محللون إلى أن المال السياسي القادم من الخارج يلعب دوراً متزايداً في توجيه مسار الحملات الانتخابية، حيث تُتهم أطراف عدة بتلقي تمويلات خارجية تهدف إلى شراء النفوذ داخل البرلمان القادم، في ظل غياب قوانين صارمة تنظم التمويل الانتخابي في العراق.

المشهد الداخلي.. انقسام واحتقان

في الداخل، لا تبدو الصورة أقل تعقيداً. فالأحزاب العراقية الكبرى ما زالت تواجه أزمة ثقة شعبية بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة.
وتشير استطلاعات رأي محلية إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات قد تكون منخفضة، بسبب فقدان المواطنين الثقة في جدوى التغيير عبر صناديق الاقتراع.
ورغم ذلك، تسعى بعض القوى الجديدة، خصوصاً المنبثقة عن حراك تشرين، إلى خوض الانتخابات كمحاولة لاستعادة القرار الوطني بعيداً عن الهيمنة الخارجية.

ويقول الخبير في الشأن السياسي حسن العطواني إن “العراق يعيش في حالة انقسام سياسي ومجتمعي حاد، وكل الأطراف ترفع شعار الإصلاح لكنها في الواقع تسعى إلى حماية مصالحها ومواقعها”، مضيفًا أن “المشهد الانتخابي الحالي يعكس صراعاً بين من يريد عراقاً مستقلاً ومن يريده تابعاً لمحاور خارجية”.

مستقبل ما بعد الانتخابات

يتفق معظم المحللين على أن نتائج الانتخابات العراقية 2025 ستحدد شكل الحكومة المقبلة، وطبيعة التحالفات الإقليمية الجديدة في المنطقة.
ويرجّح البعض أن تشهد البلاد مرحلة تفاوضية صعبة بعد إعلان النتائج، نظراً إلى تشظي الخريطة الحزبية وتضارب المصالح بين القوى الشيعية والسنية والكردية.
كما يتوقع أن تمارس الولايات المتحدة وإيران ضغوطاً متبادلة لتشكيل حكومة موالية لكل طرف، فيما يحذر آخرون من أن يؤدي الفشل في التوصل إلى توافق سياسي إلى عودة الفوضى الأمنية.

ويرى المراقبون أن العراق، بحكم موقعه الجغرافي وثرواته النفطية الضخمة، سيظل ميداناً للتجاذب بين القوى الدولية، ما لم يتمكن من بناء مؤسسات قوية واستعادة قراره السيادي المستقل.
وفي النهاية، يبدو أن الانتخابات العراقية 2025 لن تكون مجرد اختبار للديمقراطية، بل معركة لتحديد وجهة العراق لعقدٍ قادم، بين مشاريع النفوذ الإقليمي والمصالح الدولية التي تتصارع فوق أرض الرافدين.