شهدت العاصمة التركية أنقرة، اليوم الخميس، لقاءً مهماً جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، في زيارة هي الأولى للأخير إلى تركيا منذ توليه منصبه في ربيع هذا العام، وسط أجواء توصف بـ«الإيجابية» وتطلعات لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
ويحمل ميرتس في جعبته ملفات متعددة تبدأ من غزة وأوكرانيا، مروراً بالعلاقات الاقتصادية وملف الهجرة والطاقة، وصولاً إلى مساعي برلين لتعزيز دورها في المنطقة بالتعاون مع أنقرة.
الزيارة تأتي بعد يوم واحد من توقيع اتفاقية دفاعية بين تركيا وبريطانيا لشراء 20 طائرة مقاتلة من طراز «يوروفايتر» بقيمة تقارب 9.2 مليار يورو، وهي صفقة طال انتظارها بسبب اعتراضات ألمانية سابقة.
وتُعد هذه الخطوة تحوّلاً كبيراً في العلاقات الدفاعية الأوروبية – التركية، خصوصاً أن ألمانيا شريكة في مشروع تطوير المقاتلة، وكانت قد عرقلت الصفقة سابقاً بضغط من حزب الخضر.
إلا أن حكومة ميرتس منحت الضوء الأخضر لها خلال الصيف الماضي، في مؤشر على تغير المزاج السياسي في برلين تجاه أنقرة.

ووفق وسائل إعلام ألمانية، يتصدر ملف غزة جدول مباحثات الزعيمين، مع تركيز خاص على جهود وقف إطلاق النار وإعادة إعمار القطاع، حيث من المتوقع أن تقدم ألمانيا مساهمات مالية وتقنية في هذه العملية بالتعاون مع تركيا.
كما يتناول اللقاء تطورات الحرب في أوكرانيا، إذ ترى برلين أن أنقرة يمكن أن تلعب دوراً محورياً في الوساطة بين موسكو وكييف، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع الطرفين، ونجاحها السابق في التوسط باتفاق تصدير الحبوب.
ومن جانبه، أوضح عبدالمسيح الشامي، منسق العلاقات الألمانية-العربية في البرلمان الألماني، لـ«العين الإخبارية» أن الزيارة «تحمل أهمية خاصة لألمانيا، نظراً لموقع تركيا الحيوي كحليف داخل الناتو وشريك اقتصادي رئيسي».
وأضاف الشامي أن ملفات الهجرة والطاقة والأمن الإقليمي تتصدر أجندة المباحثات، مشيراً إلى أن الجانبين يسعيان لتجاوز فترات التوتر السابقة وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
وأشار مراقبون إلى أن ميرتس تجنب على غير عادة المستشارين الألمان في زياراتهم الأولى، عقد لقاءات مع المعارضة أو منظمات حقوق الإنسان في تركيا، في محاولة للحفاظ على الأجواء الإيجابية التي تسبق الزيارة.
ومن المقرر أن يبدأ ميرتس زيارته الرسمية بوضع إكليل من الزهور على ضريح مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، قبل عقد اجتماع مع ممثلي قطاع الأعمال الألمان والأتراك، ثم لقائه الرئيس أردوغان.
وتُظهر الأرقام عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري عام 2023 نحو 55 مليار دولار (47 مليار يورو)، فيما تعمل أكثر من 500 شركة ألمانية في السوق التركية.
وبهذه الأجندة المتنوعة، يأمل الجانبان في أن تكون زيارة ميرتس لأنقرة نقطة انطلاق نحو تعزيز التعاون وتخفيف حدة التوترات السابقة، وفتح مسار جديد من التفاهم بين برلين وأنقرة.
تُعدّ العلاقات بين تركيا وألمانيا من أكثر العلاقات تعقيدًا وتشابكًا داخل القارة الأوروبية، إذ تجمع البلدين روابط سياسية واقتصادية وإنسانية تمتد لعقود. فإلى جانب الشراكة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تمثل ألمانيا الشريك التجاري الأكبر لتركيا، حيث يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 55 مليار دولار سنويًا، وتعمل في تركيا أكثر من 500 شركة ألمانية.
لكن هذه العلاقة مرّت بمحطات توتر متكررة، بسبب ملفات حساسة مثل حقوق الإنسان، وسياسات اللجوء، والتدخلات الإقليمية لأنقرة، غير أن المصالح المتبادلة ظلت دائمًا كفيلة بإعادة الطرفين إلى طاولة الحوار.
وتحاول برلين اليوم بقيادة المستشار فريدريش ميرتس، وأنقرة برئاسة رجب طيب أردوغان، فتح صفحة جديدة قائمة على المصالح المشتركة، خاصة في مجالات الطاقة، والهجرة، والأمن الإقليمي، بما يعكس إدراك الطرفين لأهمية الحفاظ على جسور التواصل في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم.