في خطوة جاءت مطابقة لتوقعات الأسواق العالمية، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، اليوم الأربعاء، خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل إلى نطاق يتراوح بين 3.75% و4%، في ثاني خفض هذا العام، وذلك في إطار سعيه إلى دعم سوق العمل الأميركية ومواجهة مؤشرات التباطؤ الاقتصادي.
وجاء قرار الخفض بعد تصويت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بالإجماع، عقب خمس اجتماعات متتالية أبقت فيها على سعر الفائدة دون تغيير. ويُعد هذا القرار إشارة واضحة إلى أن البنك المركزي الأميركي بدأ في تخفيف قبضته النقدية المتشددة التي اتبعها خلال السنوات الأخيرة لمكافحة التضخم.
وأوضح الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في بيانه أن القرار يستند إلى تراجع معدل التضخم خلال الأشهر الماضية واستقرار الأسعار نسبيًا، مشيرًا إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي — الذي يستبعد المواد الغذائية والطاقة — ارتفع بنسبة 0.2% فقط في سبتمبر الماضي، وهي أبطأ وتيرة خلال ثلاثة أشهر.
وأضاف البيان أن هذه المستجدات سمحت بتحول التركيز نحو حماية سوق العمل التي أظهرت إشارات ضعف، مع تباطؤ نمو التوظيف وارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوياته منذ عام 2021. وكانت بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي قد أظهرت أن الاقتصاد أضاف 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس الماضي، فيما تم تعديل بيانات سابقة بخفض أكثر من 911 ألف وظيفة مقارنة بالتقديرات الأولى.
وفي مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، قال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إن اللجنة تتابع عن كثب "التحديات التي تواجه سوق العمل"، موضحًا أن الطلب على العمالة بدأ يتراجع بشكل واضح، وأن وتيرة خلق الوظائف الأخيرة لم تعد كافية للحفاظ على استقرار معدلات البطالة.

وأضاف باول أن البنك المركزي الأميركي "لا يزال مستعدًا لاتخاذ المزيد من الإجراءات" إذا تطلب الوضع ذلك، مؤكدًا أن سياسة الفيدرالي ستظل مرنة ومتوازنة بين هدفين رئيسيين: دعم النمو الاقتصادي واحتواء التضخم.
وتشير التوقعات الفصلية الصادرة عن مسؤولي السياسة النقدية إلى احتمال خفض إضافي لأسعار الفائدة بنحو 50 نقطة أساس قبل نهاية العام الحالي، وهو ما يعني أن الفيدرالي يتجه نحو سياسة تيسير نقدي تدريجية في ظل تراجع الضغوط التضخمية وتباطؤ النمو.
وجاءت الخطوة متوافقة مع توقعات المستثمرين في وول ستريت، حيث كانت العقود الآجلة لسعر فائدة التمويل تشير إلى احتمال شبه مؤكد لخفض الفائدة خلال الاجتماع الحالي. كما تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية قبيل القرار، في حين ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية بفعل التفاؤل بأن الفيدرالي يتجه نحو دعم النشاط الاقتصادي.
ويرى محللون أن خفض الفائدة قد ينعكس إيجابًا على الأسواق العالمية والاقتصادات الناشئة عبر تعزيز تدفقات رؤوس الأموال وتخفيف الضغط على الدولار، فيما يتوقع آخرون أن يكون تأثير القرار محدودًا إذا لم تتحسن مؤشرات سوق العمل خلال الأشهر المقبلة.
ويُعد هذا القرار جزءًا من استراتيجية الفيدرالي لمواجهة ما وصفه باول سابقًا بـ"علامات الوهن الاقتصادي" التي بدأت تظهر في الولايات المتحدة، مع تراجع الطلب الاستهلاكي وارتفاع الديون الخاصة، وسط قلق متزايد من إمكانية دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة تباطؤ موسع خلال عام 2026.