دراسات وأبحاث

تصعيد عسكري في غزة.. غارات إسرائيلية واتهامات متبادلة بين تل أبيب وحماس

الأربعاء 29 أكتوبر 2025 - 12:11 ص
مصطفى سيد
الأمصار

في تطور ميداني جديد يُنذر بانفجار الموقف في قطاع غزة، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية، مساء الثلاثاء، سلسلة من الغارات العنيفة على مناطق متفرقة من القطاع، في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن رفع القيود التي فرضها منذ بداية الحرب في منطقة غلاف غزة، ما عكس مشهدًا متناقضًا بين التصعيد العسكري من جهة، ومحاولات التهدئة من جهة أخرى.

ماذا يحدث في غزة؟ 

وقالت مصادر إسرائيلية إن التصعيد جاء بعد اتهام الحكومة الإسرائيلية لحركة "حماس" بخرق اتفاق وقف إطلاق النار عبر تأخير تسليم جثامين عدد من الرهائن الإسرائيليين القتلى، وهو الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مؤخرًا بوساطة دولية ورعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي، فقد شهدت مدينة رفح، جنوبي القطاع، اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية ومسلحي "حماس"، الذين أطلقوا – بحسب زعمه – صواريخ مضادة للدبابات ونفذوا عمليات قنص استهدفت الجنود الإسرائيليين المتمركزين في المنطقة.

وأشار البيان إلى أن الطيران الحربي الإسرائيلي ردّ بشنّ غارات مركزة على مواقع في رفح، قبل أن تمتد الضربات الجوية إلى مناطق وسط وشمال القطاع، ما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين.

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الغارات استهدفت أحياء في مدينة غزة ودير البلح، في حين ذكرت وسائل إعلام فلسطينية أن القصف كان الأعنف منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، إن "غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا لعائلة البنا في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل مواطنين اثنين، وإصابة أربعة آخرين بينهم طفل ورضيع"، مؤكدًا أن طواقم الدفاع المدني تواصل انتشال المصابين من تحت الأنقاض رغم صعوبة الأوضاع الميدانية.

اجتماع أمني في تل أبيب وتصريحات متشددة

وعقب التصعيد، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعًا أمنيًا عاجلًا مع قادة الجيش وأجهزة الاستخبارات، دون الإعلان عن قرارات رسمية في حينه. لكن مكتب نتنياهو أصدر بيانًا بعد الاجتماع قال فيه: "بعد المشاورات الأمنية، أصدر رئيس الوزراء تعليمات للجيش بتنفيذ ضربات فورية وقوية ضد أهداف تابعة لحماس في قطاع غزة".

بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن حركة "حماس" تجاوزت الخطوط الحمراء باعتدائها على الجنود الإسرائيليين في رفح وخرقها الاتفاق المتعلق بإعادة جثامين الرهائن. وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عبرية: "حماس ستدفع ثمنًا باهظًا على أفعالها، وسنرد بقوة كبيرة لضمان ألا تتكرر مثل هذه الهجمات مجددًا".

وأكد كاتس أن الجيش الإسرائيلي سيوسّع من عملياته الميدانية في غزة "حتى يتم فرض واقع أمني جديد يمنع أي تهديد مستقبلي من داخل القطاع".

رد حماس: نلتزم بالاتفاق

وفي المقابل، نفت حركة "حماس" الاتهامات الإسرائيلية، مؤكدة عدم مسؤوليتها عن أي إطلاق نار وقع في مدينة رفح. وقالت الحركة في بيان رسمي إن ما حدث "يأتي في إطار محاولات الاحتلال افتعال الذرائع لخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في شرم الشيخ برعاية دولية".

وأضاف البيان أن القصف الإسرائيلي الأخير على عدة مناطق في القطاع يمثل "انتهاكًا خطيرًا للهدنة"، محذرًا من أن استمرار الاعتداءات "سيقود المنطقة إلى دوامة جديدة من العنف"، داعيةً الوسطاء الإقليميين والدوليين إلى التدخل العاجل للضغط على إسرائيل من أجل احترام التزاماتها.

وأوضح البيان أن الجيش الإسرائيلي ارتكب أكثر من "خمسين خرقًا" للاتفاق منذ توقيعه، شملت هجمات جوية محدودة، واعتقالات في الضفة الغربية، واستمرار إغلاق معبر رفح في وجه المساعدات الإنسانية.

تقييمات أمنية متناقضة داخل إسرائيل

ومن جانبها، كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن الاجتماع الأمني الذي عقده نتنياهو شهد عرضًا قدمه رئيس أركان الجيش إيال زامير تضمن خرائط ميدانية جديدة لتوسيع نطاق سيطرة الجيش داخل غزة، مع مقترح بزيادة الانتشار في "الخط الأصفر"، وهو الخط الأمني الذي يفصل بين مناطق السيطرة الإسرائيلية ومناطق نفوذ حماس.

وغير أن القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية ذكرت أن "القيادة السياسية لم تحسم موقفها بعد، وأن أي تحرك جديد سيُنسق مع الإدارة الأمريكية"، في حين نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤول في واشنطن قوله إن فريق الرئيس ترامب حذر إسرائيل من اتخاذ "إجراءات متهورة" قد تهدد استقرار الهدنة الهشة.

وذكر الموقع أن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا نتنياهو بأنهم "لا يعتبرون ما جرى في رفح خرقًا جوهريًا من جانب حماس"، مؤكدين أن واشنطن ما زالت تراهن على نجاح التهدئة كمرحلة تمهيدية لأي مفاوضات سياسية لاحقة.

وفي المقابل، أفاد موقع "حدشوت بزمن" الإسرائيلي بأن الولايات المتحدة "لم توافق بعد على حجم أو مدى الغارات الجارية في غزة"، ما يعكس تحفظًا أمريكيًا واضحًا تجاه التصعيد الإسرائيلي الأخير.

رفع القيود في غلاف غزة

ورغم تصاعد التوتر الميداني، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا مساء الثلاثاء أعلن فيه انتهاء "الوضع الخاص في الجبهة الداخلية" بمنطقة غلاف غزة، مشيرًا إلى أنه لن يتم تمديد الإجراءات الأمنية المشددة التي كانت مفروضة منذ السابع من أكتوبر 2023.

وقال البيان: "بناءً على تقييم أمني جديد وموافقة وزير الأمن، تقرر رفع القيود المفروضة في غلاف غزة، بما يشمل عودة الأنشطة المدنية إلى طبيعتها تدريجيًا".

ونقلت مصادر عسكرية إسرائيلية أن هذا القرار يعكس "تقديرًا لدى المؤسسة الأمنية بأن احتمالات شنّ هجمات جديدة من قطاع غزة منخفضة في الوقت الراهن"، رغم بقاء حالة التأهب قائمة تحسبًا لأي تطورات مفاجئة.

تباين في المواقف وتخوف من الانفجار

ويرى محللون إسرائيليون أن المشهد الحالي يعكس "تناقضًا واضحًا في التوجهات داخل دوائر صنع القرار"، فبينما يدفع الجيش باتجاه استمرار الضغط العسكري على حماس، تسعى بعض الدوائر السياسية للحفاظ على الهدنة التي نجحت في تقليص التوتر مؤخرًا، خصوصًا في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة لعدم نسف الجهود الدبلوماسية الجارية.

في المقابل، تشير تقديرات فلسطينية إلى أن "إسرائيل تستخدم ذريعة خرق الاتفاق لتبرير عملياتها العسكرية، في وقت تواجه فيه أزمة داخلية متصاعدة"، خاصة بعد التظاهرات الأخيرة في تل أبيب المطالبة باستقالة الحكومة وتحقيق صفقة شاملة لتبادل الأسرى.

وبين تصعيد عسكري متجدد وتصريحات سياسية متناقضة، تبدو الأوضاع في غزة مفتوحة على كل الاحتمالات. فالضربات الجوية الإسرائيلية تعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأخيرة، بينما تصر حماس على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وتتهم تل أبيب بمحاولة إفشاله.

وفي غياب تحرك حاسم من الوسطاء، يخشى المراقبون أن يتحول هذا التوتر المحدود إلى مواجهة جديدة، قد تطيح بما تبقى من جهود التهدئة، وتعيد المنطقة إلى مربع العنف من جديد.