دراسات وأبحاث

مستقبل الفاشر ومحور دارفور-كردفان.. ثلاثة سيناريوهات تحكم مصير السودان

الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 07:00 م
جهاد جميل
الأمصار

تشهد الحرب الدائرة في السودان تحولات ميدانية وسياسية تؤشر إلى دخول البلاد مرحلة مفصلية، بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع (RSF) من السيطرة أو تحقيق مكاسب استراتيجية في مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني بدارفور، بالإضافة إلى فتح محاور تقدم في إقليم كردفان المجاور.

 بحسب مراقبين، فإن أهمية منطقتي دارفور وكردفان من حيث المساحة السكّانية والاقتصادية – إذ تمثلان نحو نصف مساحة السودان، وحوالى 30% من سكانه، وتحتضنان نحو 35% من موارده الاقتصادية – تجعل التطورات فيهما تمثّل نقطة تحوّل في الصراع.
تثير هذه التحولات ثلاثة مسارات محتملة لمستقبل السودان، تتداخل فيها العوامل العسكرية والسياسية والاجتماعية، وتكون نتائجها مرهونة بمدى نجاح الجهود الدولية الرامية إلى فرض حل سلمي أو وقف لإطلاق النار.

أولاً: سيناريو التصعيد العسكري

في هذا السيناريو، تستمر المعارك بوتيرة مرتفعة. سياسات الطرفين – الجيش والدعم السريع – تشير إلى عزيمة على المضي قدمًا؛ فعقب سيطرة الدعم السريع على مقر قيادة الفرقة السادسة في الفاشر، نشرت القوات خطابًا بأن «تحرير الفاشر هو تحرير السودان… نحن قادمون بزخم كبير».
بالمقابل، أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان استعداده للانتقام واستعادة المناطق المفقودة، مؤكدًا أن القوات المسلحة قادرة على قلب الطاولة.
استمرار الحرب بهذا المنوال سيؤدي إلى:

ثانيًا: سيناريو الحل الجزئي أو التجميد المؤقت

 

في هذا المسار، تستجيب أطراف النزاع جزئيًا للضغوط الدولية أو للأزمة الإنسانية، فتُقدّم تنازلات مؤقتة أو توقّع هدنة جزئية. قد يتم ذلك عبر مبادرات مثل المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة، الإمارات، السعودية، مصر) التي طرحت خطة في 12 سبتمبر دفعت نحو تهدئة مؤقتة.
في هذه الحالة:

ثالثًا: سيناريو التجزّؤ أو التقسيم الفعلي

هذا هو السيناريو الأخطر، ويُحتمل إذا استمر النزاع بدون حل، أو إذا تمكن الطرفان من ترسيخ مناطق نفوذ موازية. مراقبون ينبهون إلى أن رفض الحل السلمي وتفاقم العنف – خصوصاً العرقي والجهوي – قد يقود إلى تجزّؤ السودان، تكريساً لحالة ما بعد فصل الجنوب في 2011. في هذا الإطار:

 

التحليل الإضافي: الأبعاد الإنسانية والاجتماعية

الحرب في السودان ليست مجرد صراع عسكري، بل كارثة إنسانية. يُقدّر أن أكثر من 150 000 شخص قتلوا، و15 مليون أجبروا على النزوح داخل البلاد وخارجها (مصادر إعلامية). المدن مثل الفاشر أصبحت «محور معاناة الأطفال»، بحسب يونيسف: نحو 6 000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد داخل الفاشر وحدها. 
كما أن الانتهاكات العرقية والجهوية – وتدمير البنية التحتية الطبية والخدمية – تزيد من المعاناة وتعقّد أي عملية إعادة بناء. إذا انزلقت البلاد نحو السيناريو الثالث، فستصبح ملفات النزوح، التعليم، والصحة عبئاً ثقيلاً لعقود.

الأبعاد الاقتصادية

دارفور وكردفان تستحوذان على نسبة كبيرة من الموارد الاقتصادية للسودان (نحو 35%). 

بالتالي، السيطرة عليهما تمنح الطرف المسيطر القدرة على تمويل عملياته، أو فرض «ضرائب» على الموارد المحلية. استمرار النزاع أو تقسيم البلاد سيعني:

 

لماذا التوقيت حاسم؟

سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر تحوّل موازين القوى. إن فقدان الجيش السوداني لهذا المعقل في دارفور يعني فتح الباب أمام تمدد قوات الدعم السريع نحو محاور جديدة. ويقول مدير قسم القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية: «لم نر أي مؤشر على أن قيادة الدعم السريع راضية عن غرب السودان فقط… لا يزالون يبدون وكأنهم يواصلون تصعيد هذه الحرب».

إن فشل المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي في إيقاف هذا الزخم قد يؤدي إلى تفجّر كبير في استانة الوضع، خصوصاً أن التوترات تغذى أيضاً بخلافات داخلية حول الهوية والموارد.

 

توصيات الخروج من الأزمة

بناءً على تحليل السيناريوهات والحقائق الميدانية، يمكن اقتراح بعض الخطوات التي قد تهدّئ الأوضاع أو تحدّ من التدهور:

  1. فرض هدنة انسانية سريعة داخل دارفور وكردفان للسماح بإيصال المساعدات وتهدئة المدنيين.
  2. تعجيل مفاوضات سياسية تشمل الأطراف الرئيسية: الجيش السوداني، قوات الدعم السريع، الجهات العرقية والجهوية في دارفور، والمجتمع الدولي.
  3. دعم فرضية وحدة الدولة لكن مع نظام حكم لامركزي يمنح دارفور وكردفان صلاحيات محلية أوسع، كحل واقعي لتدهور النظام المركزي.
  4. مراقبة دولية محايدة تُسجّل الانتهاكات وتطبّق عقوبات فورية عند جرائم حرب، لأن الإفلات يعزّز منطق التصعيد.
  5. حزمة إنعاش اقتصادي جزئية تُطلق فوراً في المناطق المتضررة، لتمنح السكان المحليين بديلاً عن النزاع كوسيلة للبقاء والتقدّم.

 

يتضح أن مصير السودان بعد الفاشر ليس محصورًا بمنطقة دارفور أو إقليم كردفان فقط، بل هو اختبار لآلية الدولة، وحدة المجتمع، وآفاق السلام في البلاد. بين خيار التصعيد المنفلت، أو حل مؤقت هش، أو تقسيم فعلي، يظل الزمن يعمل لصالح من يحسم المعركة أو ينضم للحوار مبكرًا. والمجتمع الدولي، بدوره، لن يحصل على «امتيازات» تفصيلية عن هذا الملف: فإما أن يُسهم بوقف تدهور شامل، أو يشهد انهياراً مروّعاً للدولة السودانية أمام أعين الجميع.