آراء وأقلام

إبراهيم الصميدعي يكتب: بيروت ٢٠٠٩

الإثنين 27 أكتوبر 2025 - 02:05 م
إبراهيم الصميدعي
إبراهيم الصميدعي بيروت 2009

كان الشغل الشاغل لما يسمى محور الاعتدال العربي تشكيل القائمة العراقية لدخول انتخابات ٧ آذار ٢٠١٠ فقط لدمج السنة بالعملية السياسية بعد مقاطعة طويلة، من بيروت ذهبت لدولة عربية في عرضٌ شبه إجباري أن أكون ضمن القائمة العراقية وكان لديّ رأيٌ أن الشيعة بحاجة إلى تطمينٍ ليَفهموا أن العراقية هي دمج السنة في العملية السياسية وليس لنزع السلطة منهم، عدت لبغداد وتحت عصف ذهني شديد تعرضت  لحادث سيرٍ خطير، اقتلعت فيه نخلةً معمّرةً حرفيًا في منتصف شارع الربيعي، أصبت بكسور في الفك والأنف وفطر في الجمجمة، ومن المستشفى طِرتُ إلى دولة عربية لمناقشة نفس العرض بسخاء ـكبر، وأعدتُ طرح وجهة نظري نفسها، سيكون ذلك قنبلةً تفجّر المشهد إذا فكرتم بهذه الطريقة، ولم يسمعني احد، عدت إلى بغداد والتقيت بمسؤولين أمريكيين كبار لإقناعهم أن هذه الانتخابات ستدمر المنجز الأمني والاستقرار والمصالحة التي تحققت في العراق، لكن دون جدوى، كانوا يقولون “لتفعل الديمقراطية ما تشاء”.

انشغلت إيران وقتها بقوة في محاولة رأب الصدع الشيعي، حيث استبدّ المالكي، يزهو بصعوده في انتخابات مجالس المحافظات الوسطى والجنوبية، التي كانت مملوكة حرفيا للمجلس الأعلى بقيادة عبدالعزيز الحكيم، ورفض الرغبة الإيرانية ورغبة النجف في الدخول في قائمة شيعية موحدة، تواجه الزخم السني والعلماني القادم الذي دعمه العرب بقيادة الشيعي إياد علاوي، معتقدين أنه سوف يقلص النفوذ الإيراني وسطوة الأحزاب الشيعية الإسلامية، تصور أن عزت الشابندر وأياد جمال الدين وآخرين كانوا رأس الرمح في  مشروع العراقية.

دخل المجلس الأعلى والتيار الصدري الانتخابات وأحزاب شيعية أخرى قائمة  الائتلاف العراقي الموحد  وحصلوا على ٧٠ مقعدا، فاز المالكي بـ89 مقعدًا، والعراقية بقيادة علاوي بـ٩١، لم يمنح إياد علاوي فرصة تشكيل الحكومة أفتت المحكمة الاتحادية بوجوب تشكيل الكتلة الأكب في أول جلسة للبرلمان، نجحت قم وطهران في إعادة توحيد الشيعة في الكتلة الأكبر، تأخّر تشكيل الحكومة، تمزقت العراقية، والتحقت أجزاء بالمالكي وأخرى بقيت ضمن ما سمي بالاستحقاق السني بعد أن عاد أغلب الشيعة منها إلى المالكي حين استخدمت خطاب حقوق المكون السني، واختلف الشيعة بينهم كثيرا بسبب زيادة نفوذ وقوة المالكي الذي رأوه أن استخدمهم رافعة للوصول إلى الولاية الثالثة.

حدثت الثورة السورية، وانسحب الأميركان وبدأت خلايا داعش تعود وتبني نفسها ما بين العراق وسوريا، حاولت بكل الطرق أن اقنع صناع القرار ومنهم السيد المالكي أن إدارة البلد بهذه الطريقة سيقود إلى كارثة عودة سقوط المدن السنية بيد الدولة إلاسلامية كما كانت  بسب القاعدة، خاصة أنه بعد الإنسحاب الأميركي العملياتي كانت السياسية الأمنية قائمة على معاقبة وقمع المجتمع.

لأن الجماعات الإرهابية فرضت سطوتها عليه وليس استئصالها كما كان يفعل الاميركان وكما أصبحت سياسة الدولة بعد حيدر العبادي والى الآن، عوقبت، وضاقت عليَّ الأمور، هربت إلى عمان وبقيت سنتين في الأردن، سقطت الموصل وكادت أن تسقط بغداد قبل أن يتدخل الأميركان والإيرانيين معا لإنقاذ الموقف والسير معا في حرب التحرير، استطاعت إيران أن تعيد بناء النظام السياسي كليا وفق مقاستها وأميركا تتربص وتنتظر، وقد كشفت كل أسرار فيلق القدس وحزب الله.

في تلك الأحداث كان هناك من يطبخ التبسي ومن يحلم بعقد لطباعة كتاب، ومن ينتظر أن يجمع “نصف دفتر” يشوف به لبنان أو دبي، تبدّلت الدنيا بسرعة كبيرة، لا أعرف كيف تبدلت، لا تزال تأخذني الصدمة، وأنا انتظر هذه الانتخابات مع عودة الزخم الأميركي  للعراق بالجزرة والمسيرة وإيران تنتظر من ثقب الباب إلى الخارج وبيدها الكثر من الأوراق وليس، وليس بيدنا إلا الادّعاء بأن تمرّ هذه الانتخابات وما بعدها على خير.

ملاحظة: لم أُجرِ أي محاولة تعديل على هذه الحتوتة وقد أجريها غدًا لتصبح مقالة من ذكريات تدفقت إلى حين وجدت هذه الصورة بالصدفة الآن.