تتأهب مصر، مع اقتراب موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، لإطلاق حدث عالمي طال انتظاره، يمثل تتويجًا لسنوات من العمل المتواصل ونقلة نوعية في عرض وتوثيق الحضارة المصرية القديمة.
إذ يعد المتحف أحد أبرز المنارات الحضارية في العالم، والتي تجسد رؤية الدولة في صون تراثها وتقديمه للعالم في مزيج فريد يجمع بين عراقة التاريخ وروعة التصميم، وتجربة عرض متكاملة تستخدم أحدث التقنيات التفاعلية في تقديم الآثار، بما يعكس مكانة مصر الريادية على خريطة السياحة العالمية.
يقع المتحف على مساحة نحو 500 ألف متر مربع بتكلفة تخطت مليار دولار، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي مختلف فصول التاريخ المصري القديم - من الدولة القديمة والوسطى والحديثة وحتى العصرين اليوناني والروماني - في عرض متكامل يوظف أحدث تقنيات العرض التفاعلي والرقمي.
وسيعرض لأول مرة مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة، والتي تضم أكثر من 5,000 قطعة أثرية، إلى جانب التيجان والتماثيل العملاقة والأعمدة الضخمة ومركب الشمس.
الحفل الأسطوري الذي سيشارك فيه نخبة من القادة العالميين، ووفود رسمية رفيعة المستوى، سيكون من الصعب مشاهدته من أرض المتحف. ووفقاً للترتيبات الرسمية، لن يكون المتحف متاحاً للزيارة العامة خلال الفترة من 1 إلى 3 نوفمبر، حيث تقتصر فعاليات الافتتاح على رؤساء وملوك الدول، وسفرائهم، ووزرائهم، وكبار المسؤولين المصريين. على أن تفتح أبواب المتحف للجمهور اعتباراً من 4 نوفمبر.
أما أسعار التذاكر بعد الافتتاح فتبلغ 1,450 جنيهاً مصرياً للزوار الأجانب البالغين، و750 جنيهاً للأطفال والطلبة الأجانب، بينما حددت التذاكر للمصريين بقيمة 200 جنيه للبالغين و100 جنيه للأطفال والطلبة، بحسب موقع المتحف.

تعود إنشاء فكرة المتحف المصري الكبير إلى تسعينيات القرن الماضي حين بدأت مصر تُخطط لإنشاء صرح عالمي يليق بتاريخها العريق.
وفي عام 2002، تم وضع حجر الأساس لهذا المشروع الطموح في موقع فريد يطل مباشرة على أهرامات الجيزة، ليشكل امتدادًا بصريًا وروحيًا لأقدم وأعظم معجزة معمارية عرفها التاريخ.
آنذاك، أعلنت الدولة المصرية بالتعاون مع منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين عن مسابقة عالمية لاختيار أفضل تصميم للمتحف، ليفوز بها المكتب الأيرلندي Heneghan Peng Architects، الذي استلهم فكرته من أشعة الشمس المنبعثة من قمم الأهرامات الثلاثة لتلتقي في نقطة تمثل القلب الهندسي للمتحف الجديد.
وفي مايو 2005 بدأ التنفيذ الفعلي، وشهد العام التالي إنشاء أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، خُصص لصيانة وترميم الكنوز التي ستُعرض في المتحف، وتم افتتاحه رسميًا عام 2010 ليكون قاعدة علمية متخصصة في حفظ التراث المصري.
توالت الخطوات التنظيمية حتى صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2795 لسنة 2016 بإنشاء هيئة خاصة للمتحف، ثم أعيد تنظيمها بموجب القانون رقم 9 لسنة 2020 لتصبح هيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشؤون الآثار.
وأصدر رئيس الجمهورية قرارًا بتشكيل مجلس أمناء برئاسته يضم شخصيات بارزة وخبراء مصريين ودوليين لوضع السياسة العامة وإدارة شؤون المتحف.
اكتمل البناء عام 2021 ليغطي مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربع، تشمل قاعات عرض ضخمة تفوق في مساحتها بعض المتاحف العالمية، ليصبح المتحف المصري الكبير أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم.
ويضم المتحف كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، إلى جانب مقتنيات الملكة حتب حرس، ومراكب الملك خوفو، ومجموعات أثرية من عصور ما قبل الأسرات وحتى الحقبة اليونانية الرومانية.
لا يقتصر دور المتحف على العرض الأثري فقط، بل يشمل متحفًا للأطفال ومركزًا تعليميًا وقاعات للعرض المؤقت والمؤتمرات وسينما متخصصة، بالإضافة إلى مناطق تجارية وحدائق ومطاعم تقدم تجربة متكاملة للزوار. وفي عام 2021 تم توقيع عقد مع تحالف حسن علام لتشغيل خدمات الزائرين، بمشاركة شركات محلية ودولية في مجالات الضيافة والتسويق وإدارة الجودة.
تتمثل مهام المتحف في عرض القطع الأثرية باستخدام أحدث تقنيات العرض المتحفي، وتوثيقها رقمياً، وتأمينها وصيانتها، إلى جانب تنظيم المعارض الدائمة والمؤقتة، وإقامة الندوات والأنشطة الثقافية والتعليمية، وإحياء الحرف التراثية المصرية من خلال إنتاج وبيع المستنسخات الأثرية.
حاليًا، ينفذ المتحف عددًا محدودًا من الجولات الإرشادية التجريبية تشمل منطقة الخدمات التجارية والحدائق و"المسلة المعلقة" و"البهو العظيم" الذي يستقبل الزوار بتمثال رمسيس الثاني وعمود النصر للملك مرنبتاح، وتمثالين من العصر البطلمي.
أما قاعات العرض الرئيسية، بما فيها قاعة توت عنخ آمون والدرج العظيم، فتظل مغلقة لحين الموعد الرسمي للافتتاح المقرر في الأول من نوفمبر 2025، في حدث عالمي سيحضره قادة دول وشخصيات بارزة من مختلف أنحاء العالم، ليشهدوا ميلاد أعظم متحف للحضارة المصرية عبر العصور.