مع تصاعد الأزمة السياسية في «واشنطن»، تتفاقم العواقب الإنسانية للإغلاق الحكومي الذي يُهدد حياة ملايين الأمريكيين. في مشهد مأساوي، تقف صفوف طويلة من الموظفين والعائلات أمام «مراكز الإعانة»، في انتظار ما قد يسد جوعهم. أكثر من (40 مليون) أمريكي مُهددون اليوم بفقدان مصدر غذائهم، في وقت حرج لا يحتمل تأجيل الحلول. الإغلاق الحكومي لا يقتصر على أزمة اقتصادية فحسب، بل هو «قنبلة موقوتة» تُهدد الأمن الغذائي لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على الإعانات الفيدرالية للبقاء على قيد الحياة.
ومع استمرار الإغلاق الحكومي، الذي أصبح ثاني أطول في تاريخ «الولايات المتحدة»، تجد البلاد نفسها في أزمة غذائية غير مسبوقة. العديد من الولايات تُحذّر من توقف برنامج المساعدات الغذائية (SNAP) في نوفمبر المقبل، ما يُهدد بتجويع أكثر من (40 مليون) أمريكي.
وأطلقت ولايات «بنسلفانيا ونيوجيرسي وماريلاند ونيويورك وتكساس» نداءات تحذيرية عاجلة للمواطنين، وفقًا لشبكة «سي بي إس نيوز»، مُؤكّدة أن مساعدات برنامج (SNAP) لن تُصرف ابتداءً من نوفمبر 2025 حال استمرار الإغلاق الحكومي.
وجاءت هذه التحذيرات عقب رسالة رسمية أرسلتها وزارة الزراعة الأمريكية المشرفة على البرنامج، 10 أكتوبر، إلى الوكالات المحلية، أعلنت فيها عدم كفاية الأموال لدفع المساعدات الكاملة، نوفمبر المُقبل.
يعتمد أكثر من (40 مليون) أمريكي على برنامج المساعدة الغذائية التكميلية، إذ يحصل كل مستفيد على (187 دولارًا) شهريًا، بمعدل (6 دولارات) يوميًا، يتم تحميلها على بطاقات إلكترونية لشراء اللحوم والخضروات ومنتجات الألبان والمواد الغذائية الأساسية.
والمفزع أن (73%) من المستفيدين يعيشون بدخل شهري يُساوي أو يقل عن خط الفقر الرسمي، وفق بيانات وزارة الزراعة لعام 2023.
وأوضحت شبكة «سي بي إس نيوز»، أن غالبية المستفيدين من الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، بينما يظل معظم القادرين على العمل بدخول لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية.
نقلت شبكة «سي إن إن» مشاهد مؤلمة من العاصمة الأمريكية، إذ وقفت «سومار كيركسيك»، وهي موظفة فيدرالية ومحللة أبحاث سوق في وزارة التجارة، لمُدة ساعتين كاملتين في طابور للحصول على علبة مواد غذائية معلبة من بنك الطعام. وقالت بحسرة: «لم أحصل على راتبي هذا الشهر، وإيجار شقتي مستحق الأسبوع المُقبل، لذا أي مساعدة غذائية مجانية مُهمة جدًا وأحتاج لتوفير كل دولار الآن».
وخدم بنك العاصمة للطعام، بالتعاون مع وزارة التواصل اللامحدود الدينية، أكثر من (370) أسرة من الموظفين الفيدراليين، وهو ضعف العدد المتوقع، ما دفع «القس أوليفر كارتر»، منظم الفعالية للقول: «أشعر بالصدمة من طول الطابور، لم أتوقع هذا العدد الهائل من الموظفين الفيدراليين».
أما «رولاندا ويليامز»، موظفة في إدارة الضمان الاجتماعي، فعبّرت عن خيبة أملها، قائلة: «لا أصدق أنني هنا، كنا نعتقد دائمًا أن الوظيفة الحكومية تعني الأمان، لكن اتضح أن هذا غير صحيح».
في ولاية «أوكلاهوما»، أفادت شبكة «إيه بي سي نيوز»، بأن منظمة «أصدقاء المجتمع المهتم» في مدينة سابولبا تخدم يوميًا ما بين (30) إلى (50) عائلة، وساعدت نحو (14) ألف شخص، خلال العام الماضي.
وقالت المديرة التنفيذية «الدكتورة كاميل تيل»، إن الطلب على خدماتهم ارتفع بنسبة (280%) منذ عام 2019، مع كون (40%) من المستفيدين يزورونهم للمرة الأولى.
وفي «هيوستن»، حذّر بنك الطعام المحلي من استنزاف احتياطياته التي جمعها من موسم الأعاصير الخفيف، العام الجاري، ومن إعصار «بيريل»، لمواجهة الأزمة المُتصاعدة.
وأوضح «هوجو لاجاردا» من بنك هيوستن للطعام، أن كل يوم يستمر فيه الإغلاق الحكومي بعد 27 أكتوبر الجاري، سيُؤدي لفقدان آلاف الأشخاص مساعداتهم، مُناشدًا: «نحتاج المساعدة الآن، خاصة التطوع والتبرعات، فكل دولار يتحول إلى ثلاث وجبات للعائلات».
رغم توفر (6 مليارات دولار) كاحتياطي طوارئ لدى وزارة الزراعة، وفق مركز أبحاث وعمل الغذاء، يُمكن استخدامها لتغطية تكاليف البرنامج والمساعدات، إلا أن الإدارة الحالية لم تُعلن نيتها الاستفادة منها حتى الآن.
وأكدت «جينا بلاتا-نينو»، المديرة المؤقتة لبرنامج (SNAP) في المركز، أن الوضع مختلف تمامًا عن عمليات الإغلاق الحكومي في 2018 و2019، حين صرفت وزارة الزراعة مساعدات (SNAP) مُبكرًا لمنع انقطاعها. وقالت بوضوح: «الأموال متوفرة، لكن القرار سياسي بحت».
وحذّرت «بلاتا-نينو»، من أن تأخير المساعدات سيضع العائلات أمام خيارات مستحيلة بين دفع الإيجار أو إطعام الأطفال، مُؤكّدة أن مُعظم المستفيدين بالكاد يستطيعون تدبير احتياجاتهم الشهرية ولا يملكون أي مدخرات.
أما «ديب باورز»، مستفيدة من ماساتشوستس تحصل على (260 دولارًا) شهريًا، فقالت إنها ستُتدبر أمرها نوفمبر المُقبل، لكن التأخير الطويل سيجبرها على التخلي عن الخضروات الطازجة الضرورية لصحتها، مُضيفة بمرارة: «السماح للناس بالجوع قرار مُتعمد، قرار خاطئ تمامًا».
وبينما يظل «الإغلاق الحكومي» يضغط على الأنظمة الفيدرالية ويُهدد الاستقرار الاقتصادي، يبقى أكثر من (40 مليون) أمريكي في «دائرة الخطر»، دون أي ضمانات لحل الأزمة قريبًا. في ظل هذا الواقع القاسي، تتزايد الدعوات لإنهاء الجمود السياسي سريعًا، قبل أن تتحول الأزمة الغذائية إلى كارثة إنسانية حقيقية.