آراء وأقلام

دانا سترول تكتب: «العامل الحقيقي لترمب في صفقة غزة»

الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 02:22 ص
دانا سترول
دانا سترول

ركَّزت الإشادة بدبلوماسية الرئيس ترمب في التوسط للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، في غالب الأمر، على الكيفية التي أقنع بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقبول الصفقة. يفترض الكثيرون أن ترمب هدد بسحب الدعم الأميركي من إسرائيل، أو ضغط على الزعيم الإسرائيلي بطريقة أخرى للإذعان.

لكنَّ هناك تفسيراً أكثر إقناعاً لنجاح السيد ترمب. فبدلاً من مجرد تهديد نتنياهو بالعواقب، كان تدخل الرئيس الأميركي الرئيسي هو تقديم طوق نجاة سياسي للزعيم الإسرائيلي الذي لا يتمتع بشعبية عميقة. كان سرّ نجاح السيد ترمب مع نتنياهو، يكمن في تقديم «المحفزات» على صعيد السياسة الداخلية - وليس «الضغوط» على صعيد السياسة الخارجية.

كانت هناك، بطبيعة الحال، عوامل خارجية مهمة مهدت الطريق للصفقة. فقد خلصت كل من إسرائيل و«حماس» أخيراً، إلى أنَّ استمرار الحرب يمثل خسارة لكلا الطرفين. بالنسبة لـ«حماس»، كانت العمليات الإسرائيلية على مدى العام الماضي مدمرة؛ فقد تعرقلت قدرة الحركة على المناورة وإعادة الإمداد؛ وانقطع تدفقها المالي؛ وقُضي على كبار قادتها. وخارج غزة، تعرض أنصار «حماس» في «محور المقاومة» للضرر أيضاً بسبب الضربات الإسرائيلية عبر لبنان، وسوريا، واليمن، وإيران نفسها. وجدت «حماس» نفسها معزولة في المنطقة، وتتضاءل شعبيتها بصورة مزدادة في غزة.

أما بالنسبة لإسرائيل، كانت الحرب قد وصلت إلى نقطة تحول. لم تعد مكاسبها العملياتية تفوق انهيار مكانة إسرائيل الدولية، أو تآكل الدعم الأميركي من الحزبين بسبب سقوط ضحايا مدنيين في غزة، أو الضغط على الجيش الإسرائيلي المنهك من الحرب. المرحلة الجديدة من الحرب التي أعلنها نتنياهو خلال الصيف، ألزمت القوات الإسرائيلية باستنزاف غير مستدام للذخيرة والقوى البشرية.

كما أسفرت الضربة الإسرائيلية في وضح النهار ضد القادة السياسيين لـ«حماس» بالدوحة في قطر، عن خلق فرصة للتحرك؛ فقد كان عامان من الغضب المتصاعد في العالم الإسلامي بسبب المعاناة في غزة، يفرضان ضغوطاً بالفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

هذا يقودنا إلى دور السيد ترمب نفسه، الذي كانت مساهمته الحاسمة أقل في الضغط على نتنياهو، وأكثر في الغوص عميقاً بمستنقعه السياسي. لم يتراجع الرئيس بايدن أبداً عن دعمه لحملة إسرائيل لتفكيك «حماس» بعد فظائع 7 أكتوبر (تشرين الأول). لكن فريق بايدن مارس ضغطاً أيضاً - بما في ذلك حجب بعض الذخائر والنداء العلني بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية المحتملة - لدفع إسرائيل لحماية المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية. وعندما عاد ترمب إلى منصبه، أنهى أي خلاف علني مع نتنياهو بشأن غزة. لم يعترض ترمب عندما أوقفت إسرائيل جميع المساعدات الإنسانية لغزة في مارس (آذار)، ولم يهدد بسحب الدعم الأميركي، على الرغم من المؤشرات المثيرة للقلق بحدوث مجاعة في قطاع غزة، وازدياد التقارير عن سقوط ضحايا مدنيين.

افترض كثير من المحللين أن نتنياهو، المقيد بتحالفه اليميني المتطرف، لن يقبل بأي إنهاء للحرب دون استسلام كامل لـ«حماس». أي حل وسط يسمح لـ«حماس» بإعادة تأكيد وجودها، كان يمكن أن يؤدي إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل، مما يكلف نتنياهو رئاسة الوزراء ويعرّضه لمحاكماته المستمرة بتهم الفساد.

غير أن السيد ترمب قلب الطاولة؛ فقد أغدق ترمب المديح على نظيره الإسرائيلي، مانحاً إياه الحماية السياسية بفضل شعبية ترمب الجارفة في إسرائيل. وفي المقابل، وافق نتنياهو على اقتراح ترمب بتحرير الرهائن والسماح لـ«حماس» بالبقاء، في الوقت الحالي.

بعد الاختراق الذي تحقق الأسبوع الماضي (الصفقة)، أحاط المبعوث الخاص لترمب، ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس، جاريد كوشنر، نتنياهو بشكل ملفت للنظر في اجتماع مع مجلس الوزراء الإسرائيلي، منخرطين بشكل مباشر في النقاش الداخلي الإسرائيلي حول الموافقة على صفقة وقف إطلاق النار. وذهب السيد ويتكوف والسيد كوشنر إلى أبعد من ذلك، حيث أشادا بنتنياهو في مسيرة حاشدة بـ«ساحة الرهائن» الشهيرة الآن في تل أبيب، على الرغم من صيحات الاستهجان من الحشد. وأخيراً، والأكثر إثارة للدهشة، أن السيد ترمب توقف خلال خطابه المظفر أمام الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين، ليحث الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، على العفو عن رئيس الوزراء من تهم الفساد في محاكماته الجارية.

هذا هو العامل الحقيقي لترمب في صفقة غزة: الضغط الرئاسي المباشر على موازين المجريات الانتخابية والقانونية في إسرائيل.

إن ثمن اختراق اليوم سيكون اضطرابات الغد. وللحفاظ على موافقة القادة العرب والمسلمين على وقف إطلاق النار، سيتعين على إسرائيل ممارسة ضبط النفس عند مواجهة مقاومة «حماس» الحتمية لنزع سلاحها. تحدت «حماس» وقف إطلاق النار في غضون 48 ساعة، حيث أطلقت نيراناً قريبة بما يكفي لخط الانسحاب الإسرائيلي، لدرجة أن الجيش الأميركي أصدر تحذيراً موجزاً للحركة الإرهابية.

من شأن الواقع الكئيب في غزة أن يزداد صعوبة بصورة مزدادة على السيد نتنياهو خلال موسم الحملات الانتخابية المقبل، حيث سيستمر في التعرض للهجوم لقبوله صفقة تُبقي «حماس» في مكانها. وقد يُجرّ السيد ترمب إلى عمق أكبر في السياسة الإسرائيلية، بينما يسعى لحماية نتنياهو من الجناح اليميني المتطرف في حكومته، ومنع وقف إطلاق النار الهش من الانهيار.

* مديرة البحوث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

* خدمة «نيويورك تايمز»

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط