جيران العرب

«ترامب» ينفي مناقشة تنازل أوكرانيا عن دونباس لصالح روسيا

الإثنين 20 أكتوبر 2025 - 04:18 ص
مصطفى عبد الكريم
ترامب
ترامب

في زمن لا تهدأ فيه الحروب ولا تصمت فيه طبول السياسة، وبينما العالم يرقب كل شاردة وواردة في الملف الأوكراني، خرج الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» ليفجّر تصريحًا مُدوّيًا: «لم أناقش قط مسألة تنازل أوكرانيا عن دونباس لصالح روسيا».

وفي التفاصيل، أكد دونالد ترامب، أنه لم يُناقش مع زعيم نظام كييف، «فولوديمير زيلينسكي»، التنازل عن إقليم «دونباس» لروسيا، مُكررًا رغبته في أن يتوقف الجانبان عند خطوط التماس الحالية.

وقال ترامب: «لم أناقش مع زيلينسكي قضية دونباس، وأرغب في أن يتوقف الجانبان عند خطوط القتال الحالية»، مُشيرّا إلى أن «(78%) من الأراضي تحت سيطرة روسيا بالفعل، يُمكنهم (أوكرانيا) التفاوض على شيء ما لاحقًا».

زيلينسكي يرفض التنازل لروسيا

وبعد الاجتماع في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كتب «زيلينسكي» على قناته في «تلغرام»: «أوكرانيا تتمسك بكل أراضيها، ولن تتنازل عن أي شيء منها» لروسيا ولن «تهبها شيئًا منها»، مُؤكّدًا أيضًا أن «القوة» ضرورية في الحوار مع موسكو لحل الصراع الأوكراني، مُضيفًا «يرى العالم أن روسيا تفهم فقط لغة القوة وتُبدي رد الفعل عليها، وبالتالي فإن السلام من خلال التلويح بالقوة يُمكن أن ينجح».

وأشارت صحيفة «واشنطن بوست»، نقلًا عن مصادر، بأن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، «ستيف ويتكوف» طالب، خلال محادثات «ترامب» مع «زيلينسكي» في البيت الأبيض، أوكرانيا بإخلاء أراضي جمهورية «دونيتسك» الشعبية التي ما زالت تقع تحت سيطرة قوات كييف.

«بوتين» يُناور و«ترامب» يترقّب.. دونيتسك وزابوريجيا محور تسوية مُحتملة

في لحظة فارقة من عُمر «الحرب الأوكرانية»، وبين تعقيدات الميدان وتقلبات السياسة، يُناور الرئيس الروسي، «فلاديمير بوتين» على رُقعة الشطرنج الجيوسياسية، عارضًا تسوية مُفاجئة تتصدرها «دونيتسك وزابوريجيا». وعلى الجانب الآخر، يقف الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» في قلب المشهد، مُتأمّلًا عرضًا روسيًا قد يُنهي أطول نزاع دموي تشهده أوروبا منذ عقود. صفقة مُحتملة، عنوانها «الأرض مقابل السلام»، قد تُمهّد لتحول جذري في المشهد الدولي، إذا ما كُتب لها أن تُغادر الظلال إلى دائرة الفعل السياسي.

دونيتسك مفتاح إنهاء الحرب

وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين كبيرين، بأن الرئيس الروسي، «فلاديمير بوتين»، طالب نظيره الأمريكي، «دونالد ترامب»، خلال محادثتهما الهاتفية، يوم الخميس، بأن تتنازل «أوكرانيا» عن السيطرة الكاملة على «دونيتسك»، وهي منطقة حيوية استراتيجيًا في شرق البلاد، كشرط لإنهاء الحرب.

ولم يُعلّق ترامب «علنًا» على طلب بوتين السيطرة على «دونيتسك» بالكامل، وهو الأمر الذي لم يتم الإعلان عنه من قبل، كما لم يُؤيد الطلب الروسي في بيانه العلني يوم الجمعة، عقب اجتماعٍ في الجناح الغربي للبيت الأبيض زعيم نظام كييف، «فولوديمير زيلينسكي»

كان ترامب قد فكر في إرسال صواريخ «توماهوك» إلى أوكرانيا قبل الاجتماع، لكنه تراجع على ما يبدو بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها يوم الخميس مع بوتين.

وفي حديثه إلى جانب «زيلينسكي»، يوم الجمعة، صرّح «ترامب» بأنه يأمل في إنهاء الحرب دون الحاجة إلى إرسال الصواريخ، وعندما سُئِل عمّا إذا كان «بوتين» يُحاول شراء المزيد من الوقت، قال ترامب إنه لا يشعر بالقلق.

صفقة سلام بعيون ترامب

بعد لقائه مع زيلينسكي، كتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي: «حان وقت وقف القتل، وإبرام صفقة! كفى دماءً سفكت، وحدود الملكية ترسم بالحرب والشجاعة، عليهم أن يتوقفوا عند هذا الحد. فليعلن كلا الطرفين النصر، وليقرر التاريخ».

قبلها، في المكالمة بين ترامب وبوتين، أشار الزعيم الروسي إلى أنه سيكون على استعداد للتنازل عن أجزاء من منطقتين أخريين في أوكرانيا سيطر عليهما جزئيًا، وهما «زابوروجيا» و«خيرسون»، مقابل السيطرة الكاملة على «دونيتسك»، بحسب المسؤولين.

مطالب بوتين تتقلص تدريجيًا

وفي الواقع، هذا أقل بكثير من مطالبته الإقليمية الشاملة التي أعلنها في أغسطس خلال القمة التي عقدت في أنكوريدج بولاية ألاسكا، «وقد صور بعض مسؤولي البيت الأبيض ذلك على أنه تقدم، وفقًا لأحد المسؤولين الكبيرين اللذين أطلعا على مكالمة بوتين»، حسب التقرير.

وقال المسؤول الآخر، وهو دبلوماسي أوروبي كبير، إنه من غير المرجح أن ينظر الأوكرانيون إلى الأمر بهذه الطريقة.

ويُخطط الزعيمان للقاء آخر في «المجر» خلال الأسابيع المُقبلة لمواصلة النقاشات حول كيفية إنهاء الحرب، فيما لفتت الصحيفة إلى أن تركيز بوتين على «دونيتسك» يُشير إلى أنه «لن يتراجع عن مطالبه السابقة التي أوصلت الصراع إلى طريق مسدود، على الرغم من تفاؤل ترامب بالتوصل إلى اتفاق»، وفقًا للمسؤولين.

أوكرانيا تُواجه استنزافًا مُستمرًا

شهدت خطوط المواجهة بين «القوات الروسية والأوكرانية» ركودًا كبيرًا خلال العام الأخير من الصراع، دون أن يُحقق أي من الطرفين تقدمًا يُذكر، بينما تُسيطر روسيا على حوالي (20%) من الأراضي الأوكرانية.

ومع تجديد «ترامب» تركيزه على إنهاء الحرب بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار واتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في غزة، وتأرجح الرئيس بين وجهات النظر الروسية والأوكرانية بشأن الصراع لأشهر، كان الأوكرانيون يأملون في الخروج من اجتماع الجمعة بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى، لكنهم خرجوا «خاليي الوفاض».

وقال المسؤولون، إن مبعوث ترامب، «ستيف ويتكوف»، ضغط على الوفد الأوكراني بشأن تسليم «دونيتسك» خلال الاجتماع يوم الجمعة، مُشيرًا إلى أن المنطقة يتحدث سكانها في الغالب «اللغة الروسية»، وهي نقطة نقاش مُتكررة للكرملين يراها المسؤولون الأوكرانيون والأوروبيون مُتعاطفة مع مطالب روسيا.

ويتكوف محور التواصل الأمريكي

وكان «ويتكوف» هو المحاور الرئيسي للبيت الأبيض مع الكرملين قبل اجتماع «أنكوريدج»، والذي قال مسؤولون أوروبيون إنه أدى إلى ما يعتقدون أنه سوء فهم لمطالب روسيا والفشل في تحقيق تقدم كبير بعد اللقاء.

ويقول مسؤولون سرًا، إنهم يقرّون بأن روسيا «ستحتفظ على الأرجح بالسيطرة الفعلية على الأراضي التي استولت عليها، وأنهم يسعون للحصول على ضمانات أمنية قوية من واشنطن والأوروبيين لردع روسيا عن استئناف الحرب»، حسب التقرير.

وتُواجه «أوكرانيا» شتاءً قاسيًا آخر مع استهداف «روسيا» للبنية التحتية للطاقة، وهو التكتيك الذي اعتمدته كييف أيضًا ضد عدوها.

دونيتسك وزابوريجيا.. محور الصراع

في خضم لعبة كبرى تتجاوز حدود «أوكرانيا»، تبقى التسوية المقترحة اختبارًا مزدوجًا: لإرادة «بوتين» في تثبيت مكاسب ميدانية، ولقدرة «ترامب» على هندسة نهاية لحرب استنزفت الجميع. وبين «دونيتسك وزابوريجيا»، لا تدور معركة أراضٍ فحسب، بل صراع رؤى على مستقبل النظام الدولي. فهل تكون هذه المناورة الروسية بداية لانفراج حقيقي؟ أم مُجرد فصل جديد في سردية صراع طويل لا يزال يُكتب صفحاته بالنار والدم؟