دراسات وأبحاث

هل يجرؤ بوتين على تحدي مذكرة الاعتقال الدولية للوصول إلى بودابست؟

السبت 18 أكتوبر 2025 - 12:19 م
ابراهيم ياسر
رحلة محفوفة بالمخاطر
الأمصار

يثير إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه عقد لقاء مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة المجرية بودابست، موجة واسعة من الجدل السياسي والقانوني على الساحة الدولية، إذ يبدو أن هذا اللقاء المرتقب قد يتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة بوتين على تحدي القيود المفروضة عليه بفعل مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية الحرب في أوكرانيا واتهامات بترحيل أطفال من المناطق المحتلة إلى روسيا.

مذكرة اعتقال دولية تهدد طريق بوتين

منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة توقيف رسمية بحق بوتين في مارس 2023، أصبحت تحركات الرئيس الروسي محدودة للغاية خارج أراضي الدول الحليفة له أو تلك التي لا تعترف بسلطة المحكمة. ووفقًا لما نشرته صحيفة التلغراف البريطانية، فإن أي تحرك جوي يقوم به بوتين نحو أوروبا الوسطى سيكون مغامرة محفوفة بالمخاطر القانونية والسياسية.

فالقضية لا تتعلق فقط بمرور الطائرة الرئاسية الروسية فوق أراضي الدول الموقعة على اتفاقية روما، بل أيضًا بالالتزامات القانونية التي تفرضها تلك الاتفاقية على أعضائها بضرورة تنفيذ مذكرات التوقيف الدولية الصادرة عن المحكمة. 

وبذلك، يصبح مجرد عبور بوتين لأجواء دول مثل رومانيا، بولندا أو سلوفاكيا مخاطرة قد تفتح باب أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين موسكو وهذه العواصم.

وتضيف الصحيفة أن الخارجية الألمانية دعت بودابست علنًا إلى “الالتزام بالقانون الدولي” واعتقال بوتين فور وصوله إلى الأراضي المجرية إذا تم اللقاء بالفعل، وهو تصريح يعكس انقسامًا واضحًا داخل الاتحاد الأوروبي بين من يرى ضرورة الالتزام بقرارات المحكمة الدولية، ومن يفضل تغليب “الحسابات السياسية” على الاعتبارات القانونية.

المجر بين واشنطن وموسكو

اختيار العاصمة المجرية لعقد اللقاء لم يأت من فراغ؛ فالمجر بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان تُعد واحدة من أكثر الدول الأوروبية قربًا من موسكو. أوربان، المعروف بمواقفه المعارضة للسياسات الغربية تجاه روسيا، يرى في القمة فرصة لإعادة المجر إلى واجهة الدبلوماسية الدولية، وربما لتأكيد دورها كوسيط بين الغرب وروسيا في ملف أوكرانيا.

غير أن هذا الدور يضع بودابست في موقف معقد، فهي من جهة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ومن جهة أخرى تحافظ على علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع موسكو.

 ومن ثم فإن استقبال بوتين على أراضيها قد يُفهم داخل التكتل الأوروبي كنوع من التحدي لموقف بروكسل الرافض لأي تطبيع مع الكرملين قبل إنهاء الحرب.

ثلاثة سيناريوهات محتملة لوصول بوتين

تشير التقارير إلى أن الكرملين يدرس بدقة مسارات الرحلة المحتملة لتفادي أي اعتراض قانوني أو عسكري.

 السيناريو الأول، وهو الأقصر، يمر عبر بيلاروسيا ثم أوكرانيا وصولًا إلى المجر، لكنه يُعد مستحيلًا عمليًا بسبب استمرار القتال في الأراضي الأوكرانية واحتمال تعرض الطائرة الروسية للاستهداف.

السيناريو الثاني يتمثل في المرور عبر بولندا وسلوفاكيا، غير أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر السياسية، إذ إن بولندا من أبرز داعمي كييف، ولن تسمح بأي عبور روسي في أجوائها، خصوصًا إذا كان يحمل الرئيس بوتين نفسه.

أما السيناريو الثالث – والأكثر واقعية – فيتمثل في رحلة طويلة ومعقدة عبر البحر الأسود وبلغاريا أو صربيا، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة تقريبًا التي لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية وتحافظ على علاقة وثيقة مع موسكو. لكن حتى هذا الخيار قد يفرض ترتيبات أمنية هائلة وتنسيقًا دبلوماسيًا غير مسبوق لتأمين عبور الطائرة الرئاسية.

أبعاد سياسية ورسائل متبادلة

يرى محللون أن القمة المحتملة بين ترامب وبوتين في بودابست ليست مجرد لقاء ثنائي، بل رسالة متعددة الاتجاهات. فمن ناحية، يسعى ترامب لإظهار نفسه كزعيم قادر على “وقف الحرب” في أوكرانيا من خلال الحوار مع موسكو، في خطوة قد تعزز موقفه الانتخابي داخل الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، يسعى بوتين إلى كسر العزلة الدولية المفروضة عليه منذ اندلاع الحرب، وإثبات أنه ما زال يتمتع بشرعية سياسية على الساحة العالمية.

لكن المخاطر القانونية قد تُلقي بظلالها الثقيلة على هذا الحدث. فحتى لو نجح بوتين في الوصول إلى بودابست، فإن احتمال اعتراض دول غربية على مشاركته يبقى قائمًا، كما أن أي تحرك لاحق له خارج المجر سيعيد الجدل حول كيفية تطبيق العدالة الدولية على قادة الدول الكبار.

النهاية المفتوحة

في النهاية، يبدو أن رحلة بوتين المحتملة إلى المجر لن تكون مجرد رحلة دبلوماسية، بل اختبار حقيقي لمكانة روسيا في النظام الدولي الجديد، ولقدرة الغرب على فرض قواعد القانون الدولي على زعيم دولة نووية. وبينما يراقب العالم تفاصيل التحضير للقمة، تبقى الأسئلة الكبرى معلقة: هل سيجازف بوتين فعلاً بالخروج من حدود الأمان الروسي؟ وهل ستتحمل المجر ثمن استقبال رئيسٍ ملاحق قضائيًا؟

الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد ليس فقط مسار الحرب في أوكرانيا، بل ربما ملامح النظام العالمي في السنوات القادمة.