في الوقت الذي تصاعدت فيه الآمال بإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب في قطاع غزة، فجّرت إسرائيل مفاجأة سياسية بإعلانها نفي بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وذلك رغم تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قال فيها إن المفاوضات انطلقت بالفعل خلال قمة شرم الشيخ للسلام التي شهدت مشاركة قادة من مختلف أنحاء العالم.
وبينما رحّب العالم بتصريحات ترامب معتبرًا إياها إشارة إلى بداية انفراجة سياسية، جاءت المصادر الإسرائيلية لتؤكد أن الحديث عن المرحلة الثانية غير دقيق، وأن المفاوضات لا تزال في إطار المرحلة الأولى فقط التي تركز على استكمال تبادل الرهائن واستعادة الجثامين.
هذا التناقض بين التصريحات الأمريكية والموقف الإسرائيلي أثار تساؤلات عديدة حول مدى جدية الطرفين في المضي قدمًا نحو إنهاء الصراع، وحول الضغوط الدولية التي تمارس لإجبار الأطراف على المضي قدمًا في تنفيذ الاتفاق.
بحسب صحيفة إسرائيل اليوم، فإن الحكومة الإسرائيلية شددت على أن المرحلة الثانية لن تبدأ إلا بعد استلام جثامين جميع الرهائن الإسرائيليين الذين تقول تل أبيب إنهم لا يزالون لدى حركة حماس.
حتى الآن، تشير التقارير إلى أن إسرائيل تسلمت 7 جثامين فقط من أصل 28، بينما لا تزال هناك 21 جثمانًا مفقودًا لم يتم تحديد مصيرها أو التأكد من هويتها.
وقال مسؤول إسرائيلي، إن “كل ما يجري في شرم الشيخ الآن يتعلق فقط باستكمال المرحلة الأولى، ولا توجد أي مفاوضات حقيقية تخص المرحلة الثانية”.
وأوضح أن الوفد الإسرائيلي المشارك في قمة شرم الشيخ يضم “مسؤولين بمرتبة متوسطة”، ومهمتهم الوحيدة هي متابعة التفاصيل التقنية المتعلقة بتسليم الجثامين، مؤكدًا أن “المرحلة الثانية لم تُفتح بعد سياسيًا أو أمنيًا”.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في تصريحات إعلامية على هامش القمة أن “المفاوضات حول المرحلة الثانية من اتفاق غزة بدأت رسميًا”، مضيفًا أن بلاده “تعمل مع جميع الأطراف لضمان الوصول إلى تسوية شاملة تنهي الحرب وتعيد الأمن إلى المنطقة”.
لكن إسرائيل ردت سريعًا عبر بيان رسمي أوضحت فيه أن تصريحات ترامب لا تعبّر عن الواقع الحالي، وأن المفاوضات لم تبدأ بعد، وأن ما يحدث “هو مجرد ترتيبات لوجستية لاستكمال تنفيذ البنود المتبقية من المرحلة الأولى”.
هذا التضارب في المواقف أعاد إلى الأذهان التباين المستمر بين واشنطن وتل أبيب بشأن إدارة الملف الفلسطيني، خاصة مع رغبة الإدارة الأمريكية في دفع العملية السياسية، في مقابل تردد الحكومة الإسرائيلية التي تواجه ضغوطًا داخلية من أحزاب اليمين المتشددة.
تضع إسرائيل مجموعة من الشروط المسبقة قبل الدخول في أي مفاوضات تخص المرحلة الثانية من الاتفاق، أبرزها:
وترى مصادر سياسية في تل أبيب أن الدخول في المرحلة الثانية قبل استيفاء هذه الشروط سيُعد “تنازلًا مجانيًا” يمكن أن يُضعف الموقف الإسرائيلي في المفاوضات المقبلة.
لم يوضح ترامب في تصريحاته ما تتضمنه المرحلة الثانية بالتفصيل، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية تداولت تسريبات تشير إلى أنها تتضمن ثلاث نقاط رئيسية:
ويرى مراقبون أن تنفيذ هذه البنود يتطلب موافقة إسرائيلية ومشاركة عربية فاعلة، وهو ما يجعل المرحلة الثانية أكثر تعقيدًا من الأولى، خاصة في ظل الخلافات السياسية داخل إسرائيل بشأن مستقبل غزة بعد الحرب.
من جانبها، لم تصدر حركة حماس بيانًا رسميًا بشأن تصريحات ترامب أو النفي الإسرائيلي، لكنها كانت قد أكدت في تصريحات سابقة أن أي حديث عن نزع السلاح أو إدارة أجنبية للقطاع مرفوض تمامًا.
كما شددت على أن أي اتفاق يجب أن يشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار ورفع الحصار عن غزة وإعادة الإعمار دون شروط سياسية.
ويرى محللون أن موقف حماس المتشدد في هذه النقطة قد يشكل عقبة أمام أي تقدم في المرحلة الثانية، خاصة مع غياب الثقة بين الأطراف المتفاوضة.
يقول محللون إن نفي إسرائيل بدء المرحلة الثانية رغم إعلان ترامب يعكس وجود تباين واضح في الأولويات بين واشنطن وتل أبيب.
فالولايات المتحدة، بقيادة ترامب، تسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي سريع يمكن تسويقه كنجاح سياسي قبل الانتخابات المقبلة، بينما تفضل إسرائيل التريث حتى تضمن تحقيق مكاسب ميدانية وأمنية كاملة قبل أي تسوية نهائية.
ويشير مراقبون إلى أن الموقف الإسرائيلي ربما يكون تكتيكًا تفاوضيًا يهدف إلى كسب الوقت وانتزاع تنازلات إضافية، خاصة في ظل استمرار الخلافات داخل الائتلاف الحاكم حول مستقبل القطاع، ورفض بعض الأحزاب الإسرائيلية المتشددة أي اتفاق قد يؤدي إلى تقليص السيطرة العسكرية على غزة.