في خضمّ حالة الترقب التي تسيطر على الأوضاع في الشرق الأوسط عقب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تتوالى التحليلات الغربية والإقليمية حول مستقبل القطاع ومصير المبادرة الأمريكية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تباينت الرؤى بين من يرى أن الاتفاق يمثل فرصة نادرة لإطلاق مسار سلام جديد، وبين من يحذر من أن غياب الأسس السياسية الحقيقية قد يعيد المنطقة إلى دوامة الحرب من جديد.
يرى الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يخوض مغامرة غير مسبوقة بمحاولة فرض سلام شامل في الشرق الأوسط عبر أسلوبه التجاري القائم على الجرأة والمخاطرة، لكنه – كما يقول فريدمان – يفتقر إلى الأسس السياسية والمؤسسية لتحقيق ذلك.
ويؤكد أن الطريق إلى سلام حقيقي يمر عبر نزع سلاح حركة حماس وإعادة سلطة فلسطينية موحدة إلى غزة، مع تشكيل ائتلاف وسطي جديد في إسرائيل أو حتى استبدال بنيامين نتنياهو نفسه، مشددًا على أن نجاح ترامب يتوقف على تحرك سريع يفرض وقائع جديدة قبل أن تعود الفوضى.
من جانبه، يحذر الكاتب أوين جونز في ذا جارديان من أن "الإبادة التي سمح بها الغرب في غزة لن تبقى هناك"، مشيرًا إلى أن ما حدث يمثل مختبرًا للعنف الإبادي الذي سيتحول لاحقًا إلى ارتداد داخلي على المجتمعات الغربية.
ويرى أن التطبيع مع جرائم القصف والتجويع ونزع الإنسانية عن الفلسطينيين سيؤدي إلى تفكك أخلاقي وصعود اليمين المتطرف في أوروبا.
ذكرت صحيفة هآرتس أن محادثات تمهيدية بدأت بين إسرائيل وحماس بشأن المرحلة الثانية من خطة ترامب، التي من المتوقع أن تتناول مستقبل إدارة القطاع بعد الحرب.
وأشارت إلى أن واشنطن تسعى لتمكين السلطة الفلسطينية من تولي إدارة غزة، وهو ما يواجه معارضة صريحة من نتنياهو.
في معاريف، كتب إبراهام فاوست أن الادعاء بعدم إمكانية هزيمة حماس هو "خرافة تاريخية"، مؤكدًا أن الحركات المتمردة غالبًا ما تنهار أمام قوة عسكرية حاسمة.
ويرى أن قبول حماس بخطة ترامب سيكون استسلامًا فعليًا، أما رفضها فسيجعل احتلال القطاع بالكامل الخيار الوحيد أمام إسرائيل.
أما الكاتب إسرائيل مداد في جيروزاليم بوست، فيرى أن معظم اتفاقات السلام السابقة فشلت لأنها لم تتضمن بنودًا جزائية واضحة، ما سمح بخرقها دون محاسبة.
ويخلص إلى أن أي اتفاق مستدام يتطلب نصوصًا عقابية ومراقبة دولية فعالة لحماية المدنيين وضمان الالتزام.
في مجلة فورين بوليسي، كتب مايكل كوبلو أن صفقة إنهاء حرب غزة ستجبر إسرائيل على مواجهة ثلاث قضايا حاسمة:
أولا، فشل قيادتها الداخلي بعد 7 أكتوبر.
ثانيًا، العلاقة المتوترة مع الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الحرب.
ثالثًا، تراجع الدعم الأمريكي الشعبي والسياسي، ما سيجبرها على إعادة تعريف نفسها في عالم لم يعد يمنحها تفويضًا مطلقًا.
وفي فورين أفيرز، دعا زيد رعد الحسين إلى تحويل وقف إطلاق النار إلى مسار سلام دائم يستند إلى حل الدولتين، محذرًا من أن الهدنة الحالية مجرد "استراحة إنسانية مؤقتة".
وأشار إلى مبادرات فلسطينية إسرائيلية جديدة، أبرزها مشروع "أرض للجميع" الذي يقترح اتحادًا كونفدراليًا بعاصمة مشتركة في القدس.
واعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية أن نجاح ترامب في وقف القصف وتحرير الأسرى "لم يغير شيئًا على الأرض"، مؤكدة أن غياب رؤية شاملة سيعيد الوضع إلى ما قبل 7 أكتوبر، ليبقى الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى الخوف والعنف المتجدد.